بلا ختم مغادرة بلا وجهة واضحة: هل تُستَخدم شركات وهمية لـ”تطهير” غزة؟
بقلم: يولييا تالمازان، وكارولين رادنوفسكي، وسارة مهديلي، وماتيو موسكيلا
ترجمة : نور نوارة/موقع الهدف
تناقضات تحيط الشركة الموجودة في صُلب القضية تزيد من الغموض حول طائرة وصلت إلى جنوب أفريقيا محملة بأكثر من 150 فلسطينيًا.
ازدادت الضبابية المحيطة بطائرة وصلت إلى جنوب أفريقيا وعلى متنها أكثر من 150 فلسطينيًا، بعدما ردّت الشركة التي وُضعت في صلب هذه القضية على ما نُشر عنها في وسائل الإعلام.
فالتناقضات المتعلقة بالشركة المسماة “المجد أوروبا” – والتي قال بعض ركّاب الرحلة إنها الجهة التي نظّمت سفرهم – لم تُسهم إلا في زيادة الغموض حول كيفية خروج المسافرين من الشرق الأوسط، والجهة الحقيقية التي وقفت خلف هذه الرحلة.
وفي بيان مطول مساء الثلاثاء، لم تعترف “المجد” مباشرة بتنظيم الرحلة، التي وصفتها جنوب أفريقيا بأنها “عملية مُدَبَّرة بوضوح”، بعد هبوطها في جوهانسبرغ الأسبوع الماضي، الأمر الذي فاجأ السلطات.
وقالت “المجد” إن “تفاعلها الوحيد مع السلطات الإسرائيلية هو لغرض تنسيق عمليات الخروج من غزة”.
وقال وزير خارجية جنوب أفريقيا، رونالد لامولا، للصحفيين يوم الاثنين، إن الرحلة كانت جزءًا من “أجندة واضحة لتطهير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية”.
ولم يقل من يقف وراء هذا المسعى المزعوم، لكن تعليقاته تم النظر إليها على نطاق واسع على أنها موجهة إلى إسرائيل، وذلك في وقت تثير فيه الهدنة الهشة في غزة تساؤلات حول مصير مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المدمر.
كانت جنوب أفريقيا – وهي من أبرز المنتقدين لإسرائيل ومن الداعمين للقضية الفلسطينية – قد قدّمت عام 2023 دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل بشدة، وما تزال القضية قيد النظر.
وقال لامولا: “نشعر بالريبة كحكومة جنوب أفريقيا حيال الظروف التي أحاطت بوصول الطائرة والركّاب الذين كانوا على متنها”، موضحًا أن بلاده تحقق في الأمر ولا ترغب في وصول مزيد من الرحلات المماثلة.
وبحسب “كوغات” – الجهة التابعة للجيش الإسرائيلي والمسؤولة عن التنسيق مع الفلسطينيين – فإن الفلسطينيين غادروا غزة بعد تلقي موافقة من “دولة ثالثة” لاستقبالهم، دون الكشف عن هويتها.
وقال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “أوضح” أنه يجب السماح لسكان غزة بمغادرة القطاع والعودة كما يشاؤون.
وجاء في خطة السلام التي طرحها الرئيس ترامب أنه لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، وأن من يرغب بالمغادرة سيكون حرًا في ذلك، ويملك كامل الحق في العودة.
لكنّ الخشية من عمليات تطهير عرقي بقيت هاجسًا لدى الفلسطينيين ومناصريهم، لا سيما بعدما أمرت الحكومة الإسرائيلية جيشها في فبراير بإعداد خطة لمغادرة الفلسطينيين “طوعًا” للقطاع، عقب تبنيها مقترحًا من ترامب يدعو إلى إخلاء غزة ووضعها تحت إدارة الولايات المتحدة.
الاستبعاد القسري من غزة
وصلت الطائرة المستأجرة إلى مطار “أور تامبو” الدولي في جوهانسبرغ يوم الخميس، في ما بدا أنه مفاجأة لحكومة جنوب أفريقيا.
وقال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، للصحفيين يوم الجمعة، إن الفلسطينيين قادمون من غزة وتم وضعهم على متن طائرة “بشكل غامض”. وأضاف أنهم لم يكونوا يحملون الوثائق اللازمة للدخول، لكن لن يتم إرجاعهم لأنهم قادمون “من بلد تمزقه الصراعات والحرب”.
وقال إن جنوب أفريقيا ستستقبلهم “بدافع التعاطف”، لكنه أضاف “يبدو بالفعل أنهم كانوا، كما تعلمون، يُستبعدون قسرًا”.
وقالت هيئة إدارة الحدود في جنوب أفريقيا إن الركاب على متن الطائرة لم يحددوا مدة الإقامة أو مكان السكن في جنوب أفريقيا، ولم تكن جوازات سفرهم تحمل ختم خروج.
وتم في البداية رفض دخولهم، لكن تم منذ ذلك الحين معالجة أوراق 130 راكبًا وتسليمهم إلى رعاية منظمة غير حكومية في جنوب أفريقيا تسمى “هبة المنقذين”، والتي تساعد في جهود الإغاثة في مناطق الحرب والكوارث.
أما الـ23 الآخرون فواصلوا رحلتهم إلى وجهات مختلفة. وقالت الهيئة إن الفلسطينيين يملكون حق الإعفاء من التأشيرة لمدة 90 يومًا عند دخول جنوب أفريقيا.
وقد تواصلت شبكة “إن بي سي نيوز” مع حكومة جنوب أفريقيا للحصول على تعليق إضافي. ولم يتضح على الفور كيف تمكن الفلسطينيون على متن الطائرة من مغادرة إسرائيل دون مستندات سليمة.
تساؤلات حول من يقف وراء الرحلة
تحدثت وكالة “رويترز” مع فلسطينيين قالا إنهما دفعا 2000 دولار مقابل كل مقعد لنقل عائلتيهما إلى جنوب أفريقيا على متن الطائرة، كجزء من رحلة نظمتها منظمة تسمى “المجد أوروبا”. وقالا إنهما نقلا بالحافلة من غزة، ومرا عبر معبر “كرم شالوم” الذي تسيطر عليه إسرائيل قبل أن يُقلع بهما من مطار إسرائيلي الأسبوع الماضي.
وقد تواصلت “إن بي سي نيوز” في البداية مع “المجد أوروبا” الثلاثاء عبر بريد إلكتروني مدرج على موقعها الإلكتروني ولكنها لم تتلق ردًا. ولم يُدرَس موقعها إلا على أنه “حي الشيخ جراح، القدس “، مع خريطة مُضمَّنة يشير مؤشرها إلى مبنى خلف مستشفى وبجوار القنصلية البريطانية.
وكشف تحليل “إن بي سي نيوز” لوجودها على الإنترنت عن عدد من التناقضات:
تقول “المجد” إنها “منظمة إنسانية، تأسست عام 2010 في ألمانيا”، لكن “إن بي سي نيوز” لم تجد أي دليل على وجود موقعها الإلكتروني قبل فبراير/شباط من هذا العام. كما أن حساباتها على “فيسبوك” و”إكس” أنشئت هذا العام. ولم تتمكن “إن بي سي نيوز” أيضًا من العثور على المنظمة في سجل الإدارة الضريبية الألمانية.
وتوصلت “إن بي سي نيوز” إلى أن الصورة المصاحبة لصفحة “من نحن” التي تظهر مبنى عليه لافتة “المجد” وقبة الصخرة في القدس في الخلفية، هي صورة تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي. ويحتوي الموقع على منشورات مدونة متعددة تحتوي على ملخصات على غرار دراسات الحالة عن عملها المزعوم كجمعية خيرية خلال الحرب في سوريا والزلزال في تركيا. وبينما تم إنشاء الموقع هذا العام، فإن تاريخ منشورات المدونة يعود إلى عام 2023.
وتظهر إحدى دراسات الحالة المدرجة صورة لامرأة تسميها “منى فاروق”، وتقول إنها غادرت سوريا إلى لبنان المجاور في 2013، ثم احتاجت إلى مساعدة “المجد” في 2014 للفرار من القتال مرة أخرى. وقاد البحث العكسي عن الصورة “إن بي سي نيوز” إلى مقال لموقع “ميدل إيست آي” العام الماضي يحوي نفس الصورة، والتي تنسب الوسيلة الإخبارية الصورة إلى مصورها الخاص. ويسمي المقال المرأة في الصورة باسم “عبير خياط”، ويقول إنها غادرت سوريا في 2012.
ويحتوي الموقع على صفحة شروط وأحكام تنص على أن “الكيان المنظم” لـ”برنامج الهجرة الطوعية” لمغادرة قطاع غزة هو شركة “تالانت غلوبوس”.
ووجدت “إن بي سي نيوز” أنها شركة مسجلة في إستونيا في عام 2024 باسم شخص يدعى تومر جانار ليند. وقد تواصلت “إن بي سي نيوز” مع حساب يحمل نفس الاسم على “لينكد إن”. ويظهر سجل الأعمال في المملكة المتحدة أن ليند مديرًا في شركتين منحلتين وشركة واحدة نشطة لها حسابات متأخرة. ولا يبدو أن أيًا منها مرتبط بـ”تالانت غلوبوس”.
يسرد موقع “تالانت غلوبوس” أربعة موظفين، ثلاثة منهم تظهر صورهم بصور مخزنة متاحة على الإنترنت. ويقول قسم “من نحن” في الشركة إنها موجودة منذ عقد من الزمان، بينما تشير سجلات الشركة إلى أنها تأسست في 2024. ورقم الهاتف المدرج لا يعمل عند الاتصال.
وأصدرت الشركة بيانًا على “إكس” مساء الثلاثاء من أجل “معالجة الاتهامات الكاذبة والمعلومات المضللة التي تُنشر من قبل أطراف ذات مصالح سياسية واضحة”، وقالت إنها تهدف “إلى حرمان شعب غزة من حريتهم في الاختيار”.
وقالت إنه لا يوجد لها أي صلة بجهاز “الموساد” الإسرائيلي أو أي أجهزة استخبارات أخرى، وزعمت أنها “تأسست على يد لاجئين فروا من أنظمة ديكتاتورية، بما في ذلك لاجئين من حكم حماس في غزة”.
لم يذكر البيان مباشرة الفلسطينيين الذين وصلوا إلى جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي أو التناقضات على موقعها الإلكتروني. وقد تواصلت “إن بي سي نيوز” مع “المجد” للحصول على مزيد من التوضيح.
أخبرت السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا “إن بي سي نيوز” بأنها تراقب الوضع عن كثب وتتواصل مع سلطات جنوب أفريقيا لضمان حماية ورفاهية جميع المواطنين الفلسطينيين المعنيين، ولكن “نظرًا لحساسية الأمر”، لم تتمكن السفارة من تقديم مزيد من التفاصيل في هذا الوقت.
وأعربت وزارة الخارجية الفلسطينية عن “شكرها العميق للمواقف المبدئية لقيادة وحكومة وشعب جنوب أفريقيا الداعمين للشعب الفلسطيني وقضيته” في بيان أرسل إلى “إن بي سي نيوز” يوم الجمعة. وحذرت من أن أي شركات “تغوي” الفلسطينيين و”تحرضهم على التهجير” ستحمل العواقب القانونية، في حين حذرت الفلسطينيين من الوقوع فريسة “الاتجار بالبشر”.
