لبنان بين تركيا و«إسرائيل» في النفط والغاز
ناصل قنديل
– يتجنب المسؤولون في الدولة اللبنانية مشاركة الشعب اللبناني النقاش في تعقيدات مصيرية واستراتيجية تنتظره، ولا يحجب التركيز على حصر السلاح وجود قضايا وخيارات كبرى مطروحة بقوة رغم وجودها تحت الطاولة، وهي قابلة للتحول إلى عناوين انفجارية لا يفيد إخفاؤها في تسهيل حسم الخيارات حولها، والإبقاء على قضية سلاح المقاومة في الواجهة قد يرضي الجانب الأميركي ويريح الجانب الإسرائيلي، لكن ماذا عن القضية الأهم أميركياً وهي مستقبل ثروات النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، والأهم إسرائيلياً وهي السيطرة على نقل هذه الثروات نحو أوروبا عبر التحالف الإسرائيلي القبرصي اليوناني، وبالمقابل المواجهة التركية المفتوحة مع هذا الحلف والتمسك التركي القاطع بضم الثروات السورية إلى حلف تقوده تركيا ويتولى نقل الغاز والنفط إلى أوروبا، وماذا عن موقع لبنان من هذه الخرائط، التي يسمح نقاشها بكشف حقيقة أن وهم الحل السحريّ لأزمة لبنان بالتخلص من سلاح المقاومة ويضع القضايا المصيرية الحقيقية فوق الطاولة.
– لبنان يعرف أن مصر جمدت الكثير من نشاطاتها المشتركة ضمن منتدى غاز المتوسط الذي يضمّها مع إسرائيل وقبرص واليونان، رغم صفقات غاز هامة بين مصر و”إسرائيل”، وذلك حرصاً على الانتقال إلى موقع محايد في الصراع التركي الإسرائيلي حول خطوط الأنابيب، والسعي لجعل مصر نقطة مشتركة في كل مشاريع الغاز في المنطقة، ويعرف لبنان أيضاً أن تركيا لم تصمت على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، واعتبرتها تعدياً على المصالح التركية، كما يعرف لبنان أن ترسيم الحدود البحريّة مع سورية باعتبارها شرطاً لاكتمال ترسيم المناطق الاقتصادية اللبنانية يصطدم بعقبتين، الأولى عدم رضا سورية عن الاتفاقية اللبنانية القبرصية لأنها تشكل إطاراً قانونياً يفقد سورية الكثير من حقوقها، والثانية أن ورقة الترسيم من الجانب السوري مع لبنان تتأثر بالضغوط التركية على لبنان طلباً لضمه إلى التحالف الذي تقوده تركيا وترغب تركيا أن يضم لبنان إضافة إلى سورية.
– الحديث الإسرائيلي المتكرّر عن مفاوضات اقتصادية مع لبنان تجري في الناقورة، في ظل كلام إسرائيلي واضح عن النية بإعادة النظر باتفاقية ترسيم الحدود البحرية، يبدو رسالة مشفرة للبنان لتحذيره من الاستجابة للدعوات السورية والتركية، وفي ظل حياد أميركي في الصراع التركي الإسرائيلي المحتدم حول سورية، لن يجد لبنان سنداً لاتخاذ خيار يحظى بحماية بحجم يمنع تعرّض لبنان للانتقام من أحد الطرفين الإقليميين الكبيرين، تركيا و”إسرائيل”، بمجرد اختيار أحدهما كشريك، وفي ظل هذا التجاذب التركي الإسرائيلي الاستراتيجي حول سورية والبعد الاقتصادي الحيوي فيه الذي يمثله الغاز، والبعد العسكري فيه الذي تمثله هوية الأجواء السورية إقليمياً، وسعي “إسرائيل” لوضع اليد عليها مقابل سعي تركي لتحصينها بقدرات دفاعية، قد يكتشف لبنان بسرعة أن الأولوية السورية تجاه لبنان لم تعُد العداء لحزب الله، ولم يعُد الحديث عن حصر السلاح موضع احتفاء سوريّ، وأن الابتعاد السوري عن جدول الأعمال الإسرائيلي الاقتصادي والعسكري يحتاج إلى موقف مشابه لبنانياً، ويقول مسؤولون أتراك “نخشى أن تتبدل الصورة إسرائيلياً من الرهان على نموذج اتفاق مع سورية لاستنساخ مثال لبنانيّ عنه، إلى الرهان على نموذج لبناني لاستنساخ نسخة سورية منه”، مؤكداً أن “تركيا ضامن لعدم هيمنة “إسرائيل” على البعدين العسكري والاقتصادي في سورية، لكن لا وجود من يضمن عدم وقوع لبنان”.
– يأتي كل هذا مع إشارات تثير الأسئلة حول المرجع القانوني للاجتماعات التي بدأ الحديث عنها إعلامياً لرئيس الوفد اللبناني المفاوض دون وفده، مع رئيس الوفد الإسرائيلي دون الوفد، برئاسة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس وغياب الأمم المتحدة وفرنسا، بمعنى سقوط آلية الميكانيزم كإطار للتفاوض، وسقوط التفاوض غير المباشر المنصوص عليه في الفقرة 13 من اتفاق وقف إطلاق النار لحسم النزاع على النقاط الحدودية، التي تقول “تطلب “إسرائيل” ولبنان من الولايات المتحدة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تسهيل مفاوضات غير مباشرة بينهما لحل النقاط المتبقية محل النزاع على طول الخط الأزرق، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″، كيف إذا أضفنا إلى ذلك ما يقوله الإسرائيليّون على مستوى رئاسة الحكومة أن مفاوضات اقتصادية تجري في هذه الاجتماعات، وهم يقولون إن النفط والغاز على الطاولة؟
