رفض رئيس المجلس الأوروبي، أنتونيو كوستا، اليوم الاثنين، أي محاولة من جانب أمريكا للتدخل في السياسة الأوروبية، بعد أن نشرت واشنطن استراتيجيتها الأمنية الجديدة، التي تنتقد القارة بشدة.
وقال “كوستا” في مقابلة مع معهد “جاك ديلور” في باريس، الإثنين، إن أوروبا لا يمكنها القبول بأي تهديد يمس استقلال قرارها السياسي، مشددًا على أن الولايات المتحدة ليس لديها حق تحديد الاتجاهات السياسية المقبولة داخل الاتحاد. وفي الوقت نفسه، أكد “كوستا” على أن الولايات المتحدة تظل شريكًا اقتصاديًا مهمًا لأوروبا، لكنه شدد على ضرورة تمسك الاتحاد بسيادته الاقتصادية والسياسية، خاصة في ظل الخلافات المستمرة حول قضايا المناخ والتجارة والهجرة.
وتابع رئيس المجلس الأوروبي: لا يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل الأوروبيين في اختيار الأحزاب الجيدة والسيئة، ويجب أن نكون واضحين بشأن هذه النقطة، بحسب ما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وتأتي هذه التصريحات على خلفية وصف الاستراتيجية الأمريكية، التي نشرها البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، أوروبا بأنها “مفرطة التنظيم وتفتقر للثقة بالنفس”، وأنها تواجه “انقراضا حضاريا” بسبب الهجرة، والتي أكدت أن واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ستسعى لتعزيز مقاومة المسار الحالي لأوروبا داخل الدول الأوروبية، بما يتماشى مع أجندات اليمين المتطرف.
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قد قالت السبت الماضي في منتدى الدوحة رداً على سؤال حول الاستراتيجية الأمنية الأميركية الجديدة “طبعاً هناك الكثير من الانتقادات، لكن أعتقد أن بعضها صحيح”، مضيفة “الولايات المتحدة ما زالت حليفنا الأكبر.. لا نتفق دوماً على مسائل مختلفة لكن المنطق هو عينه. وينبغي أن نبقى متحدين”.
وفي نفس السياق انتقد يورغن هاردت، المتحدث باسم السياسة الخارجية في تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي/الحزب الاجتماعي المسيحي CDU/CSU الالماني، الاستراتيجية الأميركية بقوله: “إن تقييم الرئيس الأمريكي بشأن أوروبا أحادي الجانب إلى حد كبير، ربما بسبب المعلومات التي تلقاها من جهات خاطئة مثل الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، أو في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث عن أوروبا”.
وأعرب هاردت عن مخاوفه بشأن الاستراتيجية الأميركية، مشيرًا إلى أن ترامب “يريد الانخراط بنشاط في السياسة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.وأضاف : “لم نتدخل في الولايات المتحدة، ونتوقع أن الولايات المتحدة لن تفعل ذلك في الديمقراطيات الألمانية”.
كما وضّح هاردت: “نحن لا نحتاج إلى أحصنة طروادة من روسيا أو الصين في السياسة الألمانية أو الأوروبية، كما هو الحال مع حزب البديل من أجل ألمانيا أو التجمع الوطني في فرنسا أو من الأحزاب اليمينية المتطرفة في المملكة المتحدة”.
جاءت هذه التصريحات بعدما عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استراتيجية بلاده للأمن القومي، التي بينت تحوّلاً جذرياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، إذ نقلت تركيز القوة العظمى من الساحة العالمية إلى الجوار الإقليمي، وأنذرت بزوال الحضارة الأوروبية، ما أغضب الأوروبيين واستدعى ردودا متتالية.كما اعتبرت الوثيقة المكونة من 33 صفحة أن أوروبا في حالة تراجع اقتصادي، لكن “مشاكلها الحقيقية أعمق” بكثير، مضيفة أن “أنشطة الاتحاد الأوروبي تقوض الحرية السياسية والسيادة”، وتعتمد سياسات هجرة تغيّر القارة، وتفرض رقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية، وفقدان الهويات الوطنية.وأوضحت الاستراتيجية أن تراجع حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي ناجم إلى حد كبير عن صعود الصين وغيرها من القوى، قائلة إن “التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمال حقيقي وأكثر وضوحاً يتمثل بالمحو الحضاري.. إذا استمرت الاتجاهات الحالية فلن يعود من الممكن التعرّف على القارة في غضون عشرين عاماً أو أقل”.
