في أفق خسائر لا تُقاس بعدد القتلى فقط، تُظهر موجة انتحارات صادمة بين جنود وضباط خاطفة للنظر حجم الأزمة النفسية العميقة التي تعصف بصفوف “جيش العدو”. جنود احتياط وسابقون — خاض بعضهم معارك في غزة أو في ما تلاها من مواجهات — خرجوا من ساحات القتال إلى ساحات قتال مع “أرواحهم المدمّرة”، ما جعل الموت خيارًا أخيرًا لفرّط الألم والذنب والصمت.
أحدث هذه الحالات وفاة جندي احتياط من القدس، أقدم على إنهاء حياته بعد معاناة نفسية طويلة ربطها مباشرة بتداعيات الحرب، واضطراب ما بعد الصدمة الذي لم يلقَ أي رعاية كافية.
وسابقًا، عُثر على ضابط سابق من لواء غفعاتي ميتًا بعد أن كتب عبر حساباته أنه “لا يحتمل” العيش مع الذكريات والندم على “أشياء لا تُغتفر”.
بحسب تقارير عبرية — نقلتها صحيفتا “يسرائيل هيوم” و”هآرتس” — هذه حالات ليست فردية بل جزء من “انهيار جماعي” يعكس “فشلًا بنيويا” في تقديم معالجة نفسية فعالة للمئات من الجنود والضباط الذين عادوا من ساحات القتال بعقول محطمة وأرواح منهكة.
في الوقت الذي يتهاوى فيه جنود العدو أمام صدمات الحرب ويبحثون عن النجاة من ذواتهم، تظهر مفارقة حادة مع رجال المقاومة الذين يخوضون معاركهم بعقيدة راسخة، ويرحّبون بالشهادة كخيار لا كقدر قاسٍ. فبينما يرى جنود الاحتلال في مواجهة الموت عبئًا لا يُحتمل، يرى المقاومون فيها معنى وجودهم وثباتهم، ويعدّون التضحية جزءًا من هوية جماعية لا تخلّف وراءها ندمًا أو هروبًا.
هذا التناقض يكشف هشاشة العدو وبنية القوة التي يتغنى بها، إذ تتساقط تحت وطأة الخوف والاضطراب، في مقابل نموذج إنساني يختار طريقه عن وعي وكرامة. فالمقاومة لا تُساق إلى الموت، بل تسير إليه بإيمان صارخ، بينما ينكفئ جنود الاحتلال نحو الهروب من حياة لم يعد بإمكانهم احتمال أثقالها.
وفي النهاية، لا تُقاس الحرب فقط بعدد الأحياء، بل بمن بقي واقفًا حين سقط الآخرون من الداخل قبل أن يسقطوا في الميدان.