“إسرائيل” تختبر حزب الله بالضاحية!
بقلم: د. نجيبة مطهر، مستشار مكتب رئاسة الجمهورية لشؤون المرأة
في خطوة تصعيدية خطيرة، اغتالت إسرائيل القائد البارز في حزب الله، هيثم علي الطبطبائي (أبو علي)، داخل الضاحية الجنوبية لبيروت. العملية تعكس تحولًا في استراتيجيات إسرائيل، التي تختبر قدرة حزب الله على الرد وتعيد رسم معادلات القوة في لبنان، بينما يبقى مفتاح الردع الاستراتيجي تحت اختبار دقيق وسط توتر متصاعد.
اغتيال الطبطبائي داخل الضاحية يعكس تحولًا في النهج الإسرائيلي، حيث أصبحت الساحة اللبنانية مسرحاً لعمليات مفتوحة، ولم تعد الأعراف التي حكمت الجبهة الشمالية منذ حرب 2006 سارية. الضربة نفذت بدقة وبناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، مستهدفة شخصية استراتيجية مرتبطة بالعمليات الخاصة وإدارة ملفات حساسة، وهو ما يجعلها تجاوزًا للبعد التكتيكي إلى محاولة لضرب العمود الفقري للقدرة العملياتية للحزب، أو على الأقل اختبار ردوده وحدود تحمّله للتصعيد.
التنديد الرسمي والدولي
لم يكن اغتيال القائد البارز في حزب الله هيثم علي الطبطبائي (أبو علي) مجرد ضربة عسكرية محدودة، بل شكل تطورًا استراتيجيًا خطيرًا في قواعد الاشتباك في لبنان والمنطقة. أثارت هذه العملية ردود فعل واسعة على المستويين الوطني والإقليمي والدولي، حيث شددت البيانات الرسمية والتنديدات على رفض التصعيد، وتأكيد حق محور المقاومة في الرد، وضرورة ضبط قواعد الاشتباك بما يحفظ الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة.

  • الرئيس اللبناني جوزيف عون دان الضربة، واعتبرها دليلًا على أن إسرائيل “لا تأبه للدعوات المتكرّرة لوقف اعتداءاتها على لبنان”. وجدد دعوته للمجتمع الدولي بـ “التدخل بقوة وجديّة لوقف الاعتداءات … ومنع أي تدهور يعيد التوتر إلى المنطقة ويضمن استقرار لبنان”.
  • إيران عبر الحرس الثوري عن أن اغتيال الطبطبائي هو «جريمة اغتيال صهيونية»، مؤكدًا أن حق محور المقاومة وحزب الله في الرد محفوظ، وأن الرد سيكون «ساحقًا في الوقت المناسب». وأشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن الضربة تمثل «انتهاكًا فاضحًا» لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، ودعت إلى محاسبة القيادة الإسرائيلية على ما وصفته بـ «جريمة حرب».
  • أنصار الله :نعت الطبطبائي، معبرين «ببالغ الحزن والفخر» بمسيرته وتضحياته، وأكدوا أن “الكيان الصهيوني بجريمته الغادرة لن يكسر إرادة المقاومة، بل تزيدها قوة وعزيمة”، واعتبروا دماءه “فداء للبنان وانتصارًا للقضية الفلسطينية”
  • كتائب القسام (حركة حماس) نعت الطبطبائي وأشادت بدوره في دعم المقاومة الفلسطينية، معتبرة استهدافه جزءًا من معركة أوسع ضد الاحتلال.
  • تحليلات دولية: وفق تقرير يورونيوز، فإن اغتيال الطبطبائي ليس مجرد ضربة ضد حزب الله، بل يحمل رسائل استراتيجية تتجاوز لبنان إلى محور المقاومة بالكامل، مشيرة إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك وتحويل الضاحية الجنوبية إلى ساحة مفتوحة للاعتداءات السياسية والأمنية. (
    السياق الاستراتيجي
    فالعملية، التي استهدفت أحد أبرز القادة العسكريين في “قوة رضوان”، لم تكن مجرد ضربة محدودة، بل رسالة سياسية وأمنية واضحة مفادها أن إسرائيل قررت الانتقال إلى مرحلة فرض قواعد اشتباك جديدة تتجاوز الأعراف السابقة، محاولة إعادة رسم خطوط القوة في لبنان والمنطقة.
    هذا التطور يضع لبنان أمام مرحلة حساسة، مع إبقاء إمكانية ضبط الردود اللبنانية والإقليمية وفق مصالح لبنان العليا. العملية تأتي ضمن سلسلة من الضربات والاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في الأشهر الأخيرة، في إطار مسار تصعيدي يهدف إلى:
  • استهداف القيادات داخل العمق اللبناني.
  • نقل المعركة من الحدود إلى قلب المناطق المدنية.
  • فرض إيقاع تصعيد تتحكم به إسرائيل وحدها.
  • اختبار قدرة حزب الله على ضبط ردوده.
    بهذا، تقول إسرائيل ضمنيًا: “نحن من نحدد الخطوط الحمراء… لا قواعد اشتباك بعد اليوم”. لكنها تتجاهل أن حزب الله يولد قادة جدد بسرعة، محافظًا على قوته واستمراريته الاستراتيجية.
    اغتيال شخصية بحجم الطبطبائي لا يضعف حزب الله سياسيًا، بل يعزز موقفه الداخلي ويمنحه شرعية إضافية باعتباره خط الدفاع الأول عن لبنان. كما يعمّق قناعة محور المقاومة بأن إسرائيل تحاول تغيير المعادلة بالقوة، ما يدفعه إلى توحيد خطوطه السياسية والعسكرية.
    لذلك، حزب الله أمام خيار معقد: إما السكوت، الذي قد يمنح إسرائيل الضوء الأخضر للمزيد من الاغتيالات، أو الرد المحسوب، الذي يحفظ معادلة الردع دون الانجرار إلى حرب شاملة.
    الوضع اللبناني والدولي
  • لبنان يواجه تحديات أمنية معقدة، ولكنه يحتفظ بمؤسسات الدولة كإطار للحوار السياسي والأمني، مما يتيح ضبط الردود ضمن مصلحة لبنان العليا.
  • إسرائيل تحاول فرض سيطرة استخباراتية، لكنها لا تستطيع حسم المواجهة بالكامل نتيجة وجود محور مقاوم متماسك يوازن القوة في المنطقة.
  • حزب الله، رغم استهداف قياداته، يحتفظ بمفاتيح الردع الاستراتيجي وقدرة على ضبط الردود بما يحافظ على استقرار لبنان والمنطقة.
    الصراع الحالي يظل معركة توازنات كبرى:
  • إسرائيل تمتلك القدرة على الضرب الدقيق، لكنها تفتقر إلى القدرة على الحسم النهائي.
  • حزب الله يحتفظ بالقدرة على الردع الاستراتيجي مع حماية لبنان واستقراره.
  • الأيام المقبلة قد تحدد شكل الجبهة الشمالية وقواعد الاشتباك في لبنان والشرق الأوسط لسنوات طويلة.

لذلك :
اغتيال هيثم علي الطبطبائي يمثل منعطفًا استراتيجيًا خطيرًا، إذ ليس مجرد استهداف تكتيكي، بل رسالة لإعادة رسم قواعد الاشتباك.
لذلك، الحفاظ على استقرار لبنان يتطلب:

  • استمرار الحوار الوطني وتفعيل مؤسسات الدولة كإطار لضبط الردود.
  • متابعة المجتمع الدولي لتوفير الضمانات اللازمة لمنع أي تصعيد غير محسوب.
  • توازن الردع من قبل محور المقاومة بما يحمي لبنان ويعيد الاستقرار إلى المنطقة.
    في هذه اللحظة الحاسمة، يتحمل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية مسؤولية كبيرة لضمان عدم الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة قد تكون كارثية للبنان والمنطقة.