يُسَمّي دعاةُ الرأسمالية اليوم أنفسَهم «تقدّميين»، وتعيد الصحفُ الدوليّة، الواقعة أغلبها تحت هيمنة الإمبريالية ورأس المال، ترديدَ هذا الوصف المضلِّل بدهاءٍ محسوب، فتغدو اللغة أداةَ تزويرٍ حين تشيح الأنظار عمّن يرفضون الخضوع، وتشوّه حقيقة الذين يقفون ثابتين لا يتزعزع لهم موقف.

إنّ أصحابَ المبادئ الراسخة، الذين لا تتقلّب أفكارهم مع مصالح الأقوياء، هم وحدهم أهلُ التقدّم والتقدّمية في هذا العالم. هم أولئك الذين لا تلين عزيمتهم أمام الابتزاز الإمبريالي، ولا تنحني إرادتهم أمام الإيديولوجيا المفروضة بالقوّة، ولا تتصدّع قناعاتهم تحت ملاحقةٍ أو حصار. هؤلاء، بالذات، يُطلِق عليهم الإعلام صفة «المتشددين»… فليعِشْ إذن هذا «التشدّد» ما دام وقوفًا في وجه الباطل، وثباتًا في الدفاع عن المبادئ الثورية التي لا تُشترى ولا تُساوَم.

وعاش التشدّد، كلّما كان التشدّدُ حمايةً للكرامة الوطنية، وصونًا للمبادئ، ورفضًا قاطعًا للانحناء أمام إملاءات الإمبريالية. ولتسقط تلك «المرونة» التي لا تعني، في قواميسهم، إلا الخضوع، ولا تحمل في جوهرها إلا مسايرةَ الظلم والتطبيعَ مع الهيمنة.

يسمّون هؤلاء المخلصين مبادئَهم «محافظين» أو «أرثوذوكسيّين»… وليس في ذلك إلا مثالٌ آخر على براعتهم في تزوير الألفاظ واللعب بمعانيها، فقلبُ الحقائق عندهم صناعةٌ يوميّة.

منذ متى كانت الرأسمالية تقدّمية؟ ومنذ متى كان استغلالُ الإنسان لأخيه الإنسان فعلًا تقدّميًّا؟ ومنذ متى صار جشعُ رأس المال وامتهانُ الكرامة البشرية ضربًا من ضروب التقدّم؟ أيُّ قذارةٍ هذه التي يحاولون تزيينها بأحرفٍ برّاقة؟

وقد قال ماركس قولته الباقية: عندما يندثر استغلالُ الإنسان للإنسان، وتزول الملكيّة الرأسمالية لوسائل الإنتاج، تكون البشريّة قد غادرت عصور ما قبل التاريخ، ودخلت التاريخ بمعناه الحقيقي. أمّا نحن، فقد دخلنا التاريخ، وسنظلّ فيه؛ ولن نسمح بردّنا إلى ظلمات ما قبل التاريخ، ولن ننجرّ إلى التضليل مهما اشتدّت حملات التمويه والتزييف.

(فيديل كاسترو– 16 نيسان 1961)
‏#Fidel_Castro 🇨🇺 “