الحرب الهجينة: حيث يلتقي الذكاء بالقوة، ويخضع العملاق لصغير العزم.
عدنان عبدالله الجنيد.
في زمنٍ اعتقدت فيه الجيوش التقليدية أن القوة تقاس بالأرقام، وأن السيطرة تحددها الدبابات والطائرات والصواريخ، ظهرت الحرب الهجينة لتقلب الموازين رأسًا على عقب. لقد كشفت معركة طوفان الأقصى أن إسرائيل، رغم كل ترسانتها وتفوقها العسكري، لم تكن بمنأى عن ضربات الهجوم الذكي متعدد الأبعاد، الذي جمع بين المناورة الميدانية الدقيقة، والإرباك الإلكتروني، وتكتيكات الإعلام المقاوم، واستراتيجيات الضغط السياسي والدبلوماسي، فأفقدتها القدرة على الحسم وأثبت أن القوة الذكية قادرة على هزيمة العملاق التقليدي مهما علا شأنه.
الأبعاد الميدانية: القوة المرنة تهزم الثقل التقليدي:
في أرض المعركة، لم تعد القدرة على الحشد العددي أو التفوق في المدفعية ضمانًا للنصر. فقد أظهرت المقاومة كيف يمكن لقوة صغيرة، متحركة، متقنة، أن تحاصر الجيش الأكبر، وتحوّل نقاط قوته إلى نقاط ضعف، مستخدمة التضاريس، واختراق الخطوط الخلفية، وشن ضربات مركزة على نقاط حيوية لم تكن في الحسابات التقليدية للعدو.
إن المرونة الميدانية، والقدرة على المناورة التكتيكية، صارت حجر الأساس في الحرب الهجينة، حيث يتحوّل الجنود إلى سحرة على رقعة الشطرنج العسكري، يحرّكون القطع الضخمة دون أن تُدرك القوات الكبرى ما أصابها.
الأبعاد الإلكترونية والاستخبارية: السيطرة على المعلومة تعني السيطرة على المعركة
الحرب اليوم لا تقتصر على الأرض والسماء، بل امتدت إلى شبكات العدو الرقمية والمعلوماتية. فقد أرهقت الهجمات الإلكترونية أجهزة القيادة والسيطرة، وزرعت القلق والارتباك، وجعلت من المعلومات سلاحًا أقوى من أي صاروخ أو دبابة.
لقد أصبح الوعي الرقمي جزءًا من التكتيك العسكري، وفرض مفهومًا جديدًا: أن من يتحكم بالمعلومة، يتحكم بالتحركات، والتحركات الصغيرة تصنع الانتصارات الكبرى.
الأبعاد الإعلامية والمعنوية: حرب الوعي تسقط الجيوش قبل أن تصل الساحة
لم يعد الإعلام مجرد مرافق للمعركة، بل جبهة قتالية قائمة بذاتها. الإعلام المقاوم في طوفان الأقصى لم يكتفِ بنقل الأحداث، بل أدار المعركة النفسية والمعنوية للعدو، كشف الأكاذيب، رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وأربك الرأي العام العالمي ضد القوة المعتدية.
هنا، يصبح البيان والإذاعة والصورة والفيديو أدوات تكتيكية تُقحم العدو في متاهة حرب لا حدود لها، حيث يُقاتل ليس على الأرض وحدها، بل داخل عقول الجنود والسياسيين والرأي العام.
الأبعاد السياسية والدبلوماسية: استنزاف الخصم عبر التحالفات والضغط في الحرب الهجينة، يمتد الصراع إلى القاعات السياسية والاجتماعية، حيث تُوظّف الضغوط الدولية، والتحالفات، والمفاوضات كأدوات تكتيكية لإضعاف العدو، وإرباك خياراته، وفرض واقع جديد يفرضه قوة صغيرة وذكية في مواجهة عملاق تقليدي.
الدرس الاستراتيجي: الذكاء يُقهر العدد، والمعلومة تهزم السلاح:
لقد أثبتت طوفان الأقصى أن القوة الذكية، المركّبة من الوعي، والتكتيك، والمعلومة، والإعلام، والدبلوماسية، قادرة على تحطيم أعتى الجيوش التقليدية، مهما علا شأنها العسكري أو العددي. وأن التاريخ لم يعد يحكمه من يملك أكبر عدد من الدبابات، بل من يدير المعركة بعقل يسبق السلاح، ويعرف أن النصر يصنعه الذكاء قبل الحديد والنار.
خاتمة أسطورية:
حرب المستقبل في يد الذكي لا في أيدي الضخم ،الحرب الهجينة ليست مجرد مصطلح استراتيجي، بل درس تاريخي ونداء لكل قادة العالم: إن المستقبل لمن يفهم أبعاد الحرب قبل أن تبدأ، ولمن يدمج بين الذكاء والتكتيك والسياسة والإعلام، ولمن يقرأ الوعي العالمي كما يقرأ خريطة المعركة.
إنها المعركة حيث يضحي العملاق لصغير العزم، ويخضع المدافع لمهارة اليد، ويصبح الإعلام أكثر فتكًا من الصواريخ، لتثبت أن النصر ليس للعدد، ولا للسلاح وحده، بل لمن يبدع، ويبتكر، ويدمج كل الأبعاد بحرفية لا يعرفها التقليديون.
