كتبت صحيفة “البناء” : 

رغم الإشارات المتصلة بالسياسة الخارجية الخارجة من واشنطن، بدا أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجدت نفسها عالقة في قلب بحر من الأزمات الداخلية بما يكفي لاستنزاف طاقتها، حيث يحاصرها الإغلاق الحكومي الذي يستمر للشهر الثاني، والذي بدأ يتسبّب بأزمات تخرج عن السيطرة كمثل أزمة المطارات وتأثرها بالإغلاق، وفي المقابل تظهر عملية الاستعصاء أمام تمسك كل من نواب وشيوخ الحزبين الجمهوري والديمقراطي بموقفه من الموازنة وموقع التأمين الصحي فيها، كقضية خلافية مركزية تسببت ولا تزال بتعطيل إقرار الموازنة، بينما يبدو الحزب الجمهوري ومناصرو الرئيس ترامب في حال صدمة وذهول بعد نتائج الانتخابات البلدية التي حملت للديمقراطيين الكثير من حالات الفوز، وأصابت الجمهوريين بخسائر جسيمة، لكن بقي أخطرها وأكثرها تأثيراً على معنويات الجمهوريين وقلقهم من مسار الانتخابات النصفية القادمة، إذا بقي اتجاه التحول الذي قدّمته انتخابات نيويورك وفوز المرشح الشاب الديمقراطي الاشتراكي والمسلم من أصول هندية زهران ممداني، يشكل الرافعة الرئيسية للتحولات الجارية في الرأي العام، وجوهر هذا التحول هو أن الرأي العام الأميركي ظهر قابلاً لتجاوز انقساماته القائمة حول الأعراق والأديان وتشكيل أغلبية انتخابية لصالح خيار يمنح قضيتي العدالة الاجتماعية والتضامن مع فلسطين ومساندتها في صدارة الأولويات، وهذا يعني تغييراً تاريخياً يثير الذعر بين الجمهوريين، الذين كان رهانهم على الانقسام العمودي بين الأميركيين على اساس ديني وعرقي كملاذ أخير للمواجهة.

بالتوازي بدأ النقاش السياسي في كيان الاحتلال ينتقل من التباهي بتحقيق النصر إلى القرار بالحاجة للتأقلم مع أن الحرب لم تنته وأن المهمة لم تنجز.

في بيروت كان انعقاد المؤتمر القومي العربي مناسبة سياسية استقطبت الاهتمام الإعلامي، بمشاركة الشخصيات القيادية بكلمات لزعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي ورئيس حركة حماس في غزة خليل الحية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة والشيخ جواد الخالصي أحد رموز المقاومة العراقية ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خليل مزهر ومسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمر الموسوي، وقد أجمعت كلمات هذه الشخصيات القيادية في حركات المقاومة على التمسك بخيار المقاومة وسلاحها، بينما تحدّث من المؤتمر والشخصيات المشاركة وقادة الرأي العام كل من مؤسس المنتدى القومي العربي معن بشور والأمين العام للمؤتمر القومي العربي حمدين صباحي والمناضل المحرر من السجون الفرنسية جورج عبدالله ومؤسس قناة الميادين غسان بن جدو والمناضلة المشاركة في أسطول الصمود نحو غزة لينا الطبال وقد أجمعت كلماتهم على الحاجة إلى استنهاض الشارع العربي أسوة بما عرض له لاحقاً التقرير السياسي للمؤتمر الذي أعدّه الدكتور زياد الحافظ.

يترقّب لبنان الردّ الإسرائيلي الذي يُفترض أن يصله عبر الوساطة الأميركية، بشأن إمكان العودة إلى طاولة المفاوضات وتفادي الانزلاق نحو مواجهة عسكرية. وفي المقابل، تتسرّب من الأوساط الإسرائيلية إشارات متكرّرة تفيد بأن المؤسسة العسكرية تميل إلى تنفيذ عملية محدودة أو واسعة النطاق، من دون الكشف عن توقيتها أو أهدافها الدقيقة.

حتى اللحظة، لم تُسجَّل أيّ مؤشرات واضحة من واشنطن حول نتائج اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلي أو حول إمكانية تحديد موعد لانطلاق المفاوضات، فيما تواصل الإدارة الأميركية مساعيها الدبلوماسية لإقناع “إسرائيل” باعتماد المسار السياسي كبديل عن التصعيد العسكري، معتبرة أن الضغوط السياسية قد تثمر أكثر من الخيار الميداني.

ووضَعَ “المجلسُ الوزاريُّ الأمنيُّ المصغَّر” في “إسرائيل” الملفَّ اللُّبنانيَّ، بشِقَّيه العسكريّ والسّياسيّ، على طاولة البحث، مع اتّجاهٍ إلى بثِّ أجواءِ التّصعيد وتوسيعِ “بنكِ الأهداف”، من دون الانزلاق إلى حربٍ مفتوحة. وأكّد مسؤولٌ عسكريٌّ إسرائيليّ أنّ “حربَ لبنانَ الثالثةَ ليست مطروحةً في الأفق القريب”، غيرَ أنّ “لا شيء يَضمَنُ استمرارَ الوضعِ الحاليّ، بما قد يُفضي إلى تدحرُجٍ نحو تطوّراتٍ مُفاجِئة. وعُرض في الجلسةِ ملفُّ “الضّغوطِ التي تُمارسُها واشنطن على الدَّولةِ اللُّبنانيّة لنزعِ سلاحِ حزبِ الله، ومنعِ عودتِه إلى جنوبِ اللِّيطاني”، فيما أكّد قائدُ المنطقةِ الشماليّة أنّ قوّاتِه “اتّخذت كلَّ الإجراءاتِ لمنعِ عودةِ حزبِ الله إلى المنطقةِ الحدوديّة، وكثّفت مراقبةَ الحدود، وعزّزت المواقعَ العسكريّةَ التي أُقيمت مطلعَ العامِ مقابلَ كلِّ مستوطنةٍ لضمانِ أمنِها”. ونقلت صحيفة العدو “يديعوت أحرونوت” أنّ الآراء في “إسرائيل” منقسمةٌ بين “العودةِ إلى القتالِ مع حزب الله” و”الاستمرارِ في الهجماتِ اليوميّة”، مشيرةً إلى أنّ الجيشَ الإسرائيلي أعدّ “خُطّةً هجوميّة” جاهزةً في حالِ اتُّخِذ قرارٌ بالتصعيد، أو إذا ردّ حزبُ الله على الهجومِ الأخير، وأنّ استعداداتٍ لهجماتٍ واسعةٍ في لبنان جاريةٌ “خلال الأيّامِ القادمة”، بعد قراراتٍ اتُّخِذت في “الكابينت

أعلن المتحدّثُ باسم “اليونيفيل” داني غَفري أنّ “أكثرَ من 7,000 خرقٍ جوّيٍّ إسرائيليّ و2,400 نشاطٍ سُجِّل شمالَ الخطِّ الأزرق، ما يُشكِّلُ مصدرَ قلقٍ بالغ”، موضحًا أنّ “البعثةَ أُبلِغَت مسبقًا بالغاراتِ التي نُفِّذت أمس، لكنّها لم تتلقَّ أيَّ إشعارٍ يتعلّقُ بإخلاءِ ثكناتٍ تابعةٍ للجيشِ اللبناني”، ومضيفًا: “لم نرصد أيَّ نشاطٍ جديدٍ لحزبِ الله في منطقةِ عمليّاتِنا”.

في الميدان، شهدت القرى الجنوبية هدوءاً ملحوظاً بعد يوم قصف عاصف، واقتصر “النشاط” الإسرائيلي على قصف الأطراف الشرقية لبلدة شيحين في قضاء صور بعدد من القذائف، تزامنًا مع عمليات تمشيط كثيفة بالأسلحة الرشاشة استهدفت المنطقة. وقامت القوات الإسرائيلية بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة من الموقع المستحدث في تلة الحمامص.

وردّ رئيس الحكومة نواف سلام على بيان حزب الله الأخير، مشددًا على أن قرار الحرب والسلم استردته الدولة ولا أحد يملكه سواها.

وأكد سلام في افتتاح قمة لبنان للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي العمل على حصرية السلاح بيد الدولة وحدها. وأشار إلى أن “عملية نزع السلاح وحصره بيد الدولة ماضية، لكنها تتطلب وقتًا وتعاونًا وطنيًا شاملاً”، موضحًا أن “المرحلة الأولى من خطة الحصر بدأت وتشمل منطقة جنوب الليطاني، حيث يسجل الجيش انتشارًا أكبر ويحقق تقدماً ملموسًا في منع تهريب السلاح والمخدرات”.

وأضاف أن “التصعيد الإسرائيلي خطير ويهدد الأمن الإقليمي”، مؤكداً أن “الحكومة تسعى للحصول على دعم عربي ودولي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وتعزيز قدرة الدولة على فرض سلطتها الكاملة على أراضيها”.

وأكد أن “لبنان يسير بخطى ثابتة نحو استعادة دوره الطبيعي في محيطه العربي”، معربًا عن سعادته بـ”عودة لبنان إلى العرب وعودة العرب إلى لبنان”، مشددًا على أن “هذه العودة تشكل ركيزة أساسية للنهوض الوطني في مجالات التكنولوجيا، الاقتصاد، والأمن”.

واعتبر وزير العدل عادل نصار أن “التفاوض مع إسرائيل ضروريّ لإثبات الحقوق اللبنانية ومنع مواقف ممكن أن تؤثر سلباً على الشعب اللبناني”، مشيراً إلى أن “الطريقة الأفضل لإنجاح المفاوضات تكمن في أن تكون الدولة مكتملة الأوصاف ولديها سيادة كاملة على أراضيها”.

ولفت إلى أن “رئيس مجلس النواب نبيه بري مع حصرية السلاح، لأنه حريص على أن تكون لدى الدولة اللبنانية القوة اللازمة للتفاوض”، وقال: “نحن اليوم في حالة بناء الدولة، لهذا لا يمكن أن تبنى لطرف أو لفريق، بل يجب أن تكون ضامنة لجميع اللبنانيين، وحصرية السلاح ليست خدمة للغرب و”إسرائيل” بل ضمانة للشعب اللبناني”.

أكّدت وزارة الخارجية الفرنسيّة، موقف باريس الداعم للسيادة اللّبنانيّة، مشدّدة على ضرورة انسحاب “إسرائيل” من النقاط الخمس داخل الأراضي اللّبنانيّة.

وقالت الخارجيّة الفرنسيّة: “ندعو إلى انسحاب “إسرائيل” من النقاط الخمس في لبنان”، مشيرة إلى أنّ فرنسا تدين جميع الضربات الإسرائيلية التي تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين في جنوب لبنان.

وأضافت الوزارة أنّ “تجريد حزب الله من السّلاح هو مهمة القوات المسلحة اللبنانية حصرًا”، معتبرة أنّ نزع سلاح الحزب مهمة صعبة تتطلّب جهدًا يوميًّا مستمرًا.

كما أكّدت الخارجية الفرنسية أنّ باريس تدعم الجيش اللّبنانيّ في هذه المهمة.

وشدّدت في ختام تصريحاتها على أنّ فرنسا تدعم بشكل كامل خطة الحكومة اللبنانية لاستعادة السّيادة في الجنوب.

في السياق نفسه، دعا الاتحاد الأوروبي “إسرائيل” إلى وقف انتهاكاتها للقرار 1701 واتفاق وقف النار كما دعا كل الفاعلين في لبنان، وبخاصة حزب الله، إلى التحفظ عن أي عمل يؤجج الوضع.

ليس بعيداً، وبعد فرض الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على شبكة تدعم حزب الله مالياً، أكدت السفارة الأميركية في بيروت أن الولايات المتحدة ستمنع حزب الله من تهديد لبنان والمنطقة.

وشدّدت السفارة في تعليق مقتضب نشر على حسابها في إكس اليوم، مرفق بقرار وزارة الخارجية حول فرض عقوبات جديدة على الحزب، على أن “أميركا ستواصل استخدام كل أداة متاحة لضمان عدم تشكيل هذه الجماعة الإرهابية تهديداً للشعب اللبناني أو المنطقة على نطاق أوسع”، وفق تعبيرها.

وفي الشأن الانتخابي، أطلّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة، حيث قال إن البلد يمر في أعقد مرحلة مصيرية، إلا أن هناك للأسف من يعيش عقدة الانتحار التاريخي، والحقد الانتخابي، ولهذا البعض أقول: لن يمرّ أي قانون انتخاب يخالف مصالح أهل الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الذين يشكلون نصف لبنان، والقوانين الانتخابية التي هي عدوّ لبنان لا محلّ لها في هذا البلد، وسكوتنا فقط هو للمصلحة الوطنية، لكن لن نقبل للبعض أن ينحر لبنان انتخابياً، كما لن نقبل بتجاوز الحقوق الانتخابية الجذرية للطائفة الشيعية”.

أضاف: “جماعة السيادة المستوردة من وراء البحار يدفعون البلد نحو كارثة داخليّة، وحركة “أمل” و”حزب الله” هما صمام أمان هذا البلد، ولبنان بلا هذا الثنائي الوطني المقاوم لن يكون لبنان”. وتوجه إلى “من يقرأ في الخرائط الخارجية”: “لن يكون لبنان صهيونياً، لا في السياسة ولا في الديبلوماسية ولا في الانتخابات، والدفاع عنه يمرّ بقانون انتخاب وطني عابر للطوائف، وضامن للعيش المشترك، وأي تجاوز للخطوط الحمر سيدفعنا للمطالبة بدوائر انتخابية عددية على قاعدة المساواة العددية، ونحن ضد لعبة العدد من أجل لبنان، لكن لن نقبل بلعبة ابتلاع “البعض الهزيل” للبنان”.

من جهة ثانية، أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن لبنان بدأ يشعر بوجود القضاء ليس بشهادة أهله فحسب، بل بشهادة العالم اجمع، “وأنه من دون قضاء لن يكون هناك بلد”، داعياً النيابات العامة والقضاة الى عدم الخضوع للضغوط، والابتعاد عن الزواريب السياسية والطائفية وإنشاء ثقافة التعاطي مع القضاء المستقل، “وأنا سأكون حصانتكم”.

وتابع وفد البنك الدولي برئاسة المدير التنفيذي عبد العزيز الملا جولته في لبنان التي بدأها أول أمس، حاملاً معه تحذيرات من خطر ضياع القرض في حال لم يتم إقراره في مجلس النواب عاجلاً. وقد تلقى الوفد اللبناني هذه التحذيرات خلال زيارته الأخيرة في واشنطن ومشاركته في اجتماعات الخريف. وزار الوفد أمس قصر بعبدا والتقى رئيس الجمهورية جوزف عون، وتم خلال اللقاء تأكيد “عمق الشراكة التي تربط لبنان بالبنك الدولي منذ ما يقارب سبعين عاماً والدور المحوري الذي لعبه في دعم لبنان خلال مختلف المراحل الصعبة من الحروب إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية”.

وعرض عون أمام الوفد التقدم المحقق على صعيد الإصلاحات الجارية، لا سيما في ما يتعلق بتعزيز الحوكمة والتعاون مع صندوق النقد الدولي لإعادة بناء الثقة في القطاع المالي وجذب الاستثمارات.

وأثنى على “نهج البنك الدولي القائم على ربط التمويل بالإصلاحات، لما فيه من تعزيز للمساءلة وتحقيق للنتائج الملموسة”، مؤكداً “التزام لبنان بالقيام بالإصلاحات، علماً أنه يواجه الكثير من التحديات ولكن في المقابل لقد أجرت الحكومة الكثير من التغييرات ولا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه في هذا المجال”.

من جهته، رأس الرئيس سلام، اجتماع عمل مع وفد “البنك الدولي” الذي زار أيضاً الرئيس بري، وخُصِص اللقاء لمناقشة وعرض مشاريع وخطط البنك الدولي وبرامجه في لبنان لا سيما ملف إعادة الإعمار. وقدم بري للوفد شرحاً تفصيلياً مسهباً على الخريطة التي أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية والتي تبين حجم الأضرار التي تسبب بها “العدوان الاسرائيلي” على لبنان على مدى العامين الماضيين قبل اتفاق وقف إطلاق النار وبعده وفي مختلف القطاعات لا سيما التدمير الكلي لعدد من القرى الحدودية، إضافة للأضرار التي لحقت بالبنى التحتية من طرقات ومؤسسات تربوية وصحية وسياحية وصناعية وقطاع الطاقة، فضلاً عن الخسائر التي مني بها القطاع الزراعي والأثر البيئي الناجم عن استخدام “إسرائيل” للإسلحة المحرمة دولياً.

المصدر: الوكالة الوطنية