المنظمات الإغاثية الإنسانية: ليس لها من الإنسانية إلا الاسم.
طوفان الجنيد.
تُقدّم المنظمات الأممية الإنسانية نفسها كوسائل للنجاة وملائكة للرحمة والتعاطف في مناطق النزاعات والحروب والكوارث الطبيعية، لكن الواقع يكشف أن العديد منها ابتعد عن مبادئ النظم والقرارات الدولية التي أُنشئت من أجلها، وخالفت الشعارات المعلنة والبراقة التي ترفعها حول مساعدة الضحايا وحماية الحقوق والحريات، ليكتشف المتابع أن هذه المنظمات قد تورّطت في أعمال منافية للإنسانية، أمثال الانخراط في أعمال دنيئة ولا أخلاقية.
هذه الإخفاقات الأخلاقية الجسيمة جعلت من شعاراتها الإنسانية مجرد غطاء فارغ.
الوجه المزدوج للعمل الإنساني
تشير التقارير الإعلامية والاقتصادية إلى وجود فجوة هائلة بين المبادئ المعلنة للمنظمات الأممية الإنسانية وممارساتها على الأرض. فما يُقدّم على أنه عمل إنساني يخفي في كثير من الأحيان إخفاقات هيكلية وتواطؤًا مع سياسات الدول المانحة المهيمنة، التي لديها مشاريع وأجندات داخل البلدان تريد تنفيذها، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي الدول الغربية. هذا يحوّل هذه المنظمات من منقذ للمحتاجين إلى أداة لإدارة المعاناة والتكسب منها بدل إنهائها.
وهذا ما لمسناه وعايشناه في بلادنا اليمن وفي غزة وفلسطين، وعلى سبيل المثال برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية:
برنامج الغذاء العالمي: يتم تنفيذه بتمويل دولي، ويستهلك ما نسبته 70٪ إلى 80٪ لصالح موظفيه ومكاتبه من أجور ونثريات ومواصلات وما إلى ذلك، وما يتبقى يُوزّع أحيانًا بطرق استغلالية وامتهانية بحتة، من أجل رفع التقارير الشهرية فقط. وإذا شعر المسؤولون بأن فشلهم سيظهر، يقدمون العديد من الأعذار والتبريرات والحجج الواهية لتغطية إخفاقاتهم. والعالم شاهد المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، خاصة في مراكز الإيواء والنازحين، بالإضافة إلى انعدام الخدمات المعيشية من كهرباء وماء وصحة، وما يحدث فيها من جرائم لا إنسانية فجة، منها التحرشات الجنسية.
منظمة الصحة العالمية في اليمن: على مدى عقد من الزمن، تتاجر المنظمة بالأوضاع الصحية في اليمن نتيجة العدوان، ولم يلمس المواطن اليمني أي خدمة إنسانية حقيقية، مثل توفير العلاجات أو ترميم المستشفيات أو تحسين الوضع الصحي، حيث تدور حول دائرة مفرغة تسمى التحصين ضد مرض شلل الأطفال، بينما يموت آلاف الأطفال اليمنيين من سوء التغذية وانتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة، وتموت آلاف الحالات من أصحاب الأمراض المستعصية والمزمنة.
عرقلة المساعدات واستخدام الجوع كسلاح:
سواء في اليمن أو في قطاع غزة، برزت أخطاء كثيرة على إخفاق المنظومة الدولية، حيث تحولت الإدانات الأممية إلى بيانات دون فعل حقيقي لوقف المجاعة المعلنة رسميًا.
ورغم أن القانون الدولي يعتبر “التجويع جريمة حرب متكاملة الأركان” وفقًا لاتفاقيات جنيف، إلا أن المنظمات الدولية عجزت عن كسر حصار غزة أو إجبار إسرائيل على فتح المعابر بشكل كافٍ، وفي اليمن أبقت المنافذ الرئيسية محاصرة ومغلقة ولم تفعل شيئًا.
وما زاد الطين بلة، أن هذه المنظمات عملت على مشاركة المعتدين في جرائمهم، وقدمت لهم المعلومات الاستخباراتية، كما حصل في الآونة الأخيرة والمعلن عنه من قبل حكومة صنعاء.
الحلول والمقترحات: نحو نموذج إنساني حقيقي:
1- الانتقال من الإغاثة إلى الاستدامة: بدلًا من النموذج التقليدي القائم على الإغاثة الطارئة، يدعو خبراء إلى تبني نهج ترابطي يجمع بين الإغاثة السريعة وتمكين المجتمعات لتحقيق التعافي والنماء.
وهذا يتطلب بناء شراكات قوية مع المنظمات المحلية التي تمثل شريكًا أكثر استدامة.
2- تعزيز الشفافية والمساءلة: ورفع الحصانة المفروضة على المنظمات الأممية، بحسب القانون الدولي الإنساني، الذي ينص على أن هذه المنظمات لا تتمتع بأي حصانة مطلقة في حال ثبوت التلاعب أو الفساد أو سوء استخدام الأموال، كما أن التمويلات الدولية “ليست معفاة من الضرائب بالكامل”، مما يستدعي خضوعها للمساءلة المحلية.
3- إصلاح هيكلي للأمم المتحدة: يدعو العديد من الدبلوماسيين السابقين إلى إعادة تشكيل مجلس الأمن بضم عدد أكبر من الدول لعضويته، وإصلاح نظام العضوية والتصويت، لكن هذا الإصلاح يحتاج بدوره إلى إصلاح النظام العالمي المختل، من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب.
خاتمة:
المنظمات الأممية الإنسانية تواجه أزمة مصداقية وجودة؛ فشعاراتها البراقة لم تعد تخفي حقيقة أدائها الميداني المخيب للآمال.
ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جذرية وفرض الرقابة عليها، والانتقال من “الإنسانية المغلفة” إلى إنسانية حقيقية تضع كرامة الإنسان وحقوقه في أولويات عملها.
فقد آن الأوان لكسر احتكار القوى العظمى لهذه المنظمات اللاإنسانية.
