في ظل تصاعد الأزمات الداخلية داخل جيش الاحتلال “الإسرائيلي” تكشف الأرقام الجديدة عن تصدّع في الجبهة النفسية والمعنوية لجنوده، وسط تزايد حالات الانتحار بشكل غير مسبوق، ما يطرح تساؤلات حول قدرة المؤسسة العسكرية على الاستمرار في حرب طويلة المدى ضد الشعب الفلسطيني.
فقد اعترف رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير خلال مؤتمر لقادة الجيش في قاعدة “بلماحيم”، الإثنين الماضي، بـ”تدهور الصحة النفسية في صفوف الجيش”، قائلاً: “لدينا اليوم آلاف الجنود الذين يتلقّون علاجًا نفسيًا، وعلى القادة أن يكونوا يقظين لهذه الظاهرة، وأن يبادروا للعلاج بلا تردّد”.
ويأتي هذا الاعتراف، كما يؤكد الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، بعد صدور تقرير مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست “الإسرائيلي” الذي أظهر تفاقمًا خطيرًا في ظاهرة الانتحار داخل الجيش “الإسرائيلي” بلغت 279 حالة محاولة انتحار خلال عام ونصف فقط، منذ كانون الثاني 2024 وحتى تموز 2025.
ويشير التقرير إلى ما وصفه بـ”قفزة مقلقة” في نسب الانتحار بين الجنود، إذ تراوحت نسبتهم من إجمالي المنتحرين بين 42% و45% خلال الأعوام 2017–2022، وانخفضت عام 2023 إلى 17%، قبل أن تعاود الارتفاع الحاد عام 2024 لتصل إلى 78%.
كما أظهرت الإحصاءات أن 68% من الحالات تعود لجنود الخدمة الإلزامية، و21% للاحتياط، و13% للنظاميين الدائمين.
وقال اللواء عريقات لوكالة (شهاب) إن هذه النسب المرتفعة تعود إلى مجموعة من الأسباب المتراكمة، أبرزها: استدعاء الجنود المتكرر للميدان خلال العامين الماضيين، وطول فترة بقائهم في ساحات القتال بشكل غير مسبوق، والبيئة الجغرافية المدمرة في غزة والركام الذي أحدثته الحرب، ما جعلها عبئًا نفسيًا عليهم، وحجم الصمود الفلسطيني رغم حرب الإبادة والمجازر، الذي شكّل صدمة للجنود وأثّر في معنوياتهم.
ومن الأسباب أيضا، وفق عريقات، استمرار المقاومة الفلسطينية في المواجهة الميدانية لأكثر من عامين، وشجاعة مقاتليها في الاشتباكات القريبة، التي خلقت حالة من الذعر والرعب داخل صفوف جيش الاحتلال.
كذلك ضعف الخدمات الطبية والنفسية داخل الجيش “الإسرائيلي” إذ أظهرت البيانات أنّ 17% فقط من المنتحرين التقوا ضابط صحة نفسية خلال الشهرين السابقين للواقعة، ما يعكس ضعف المتابعة الداخلية.
ويضيف عريقات أن هذه العوامل مجتمعة انعكست على الجيش والشعب “الإسرائيلي” فتراجعت الثقة الشعبية بقدرات الجيش على تحقيق الأمن، ما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بوقف الحرب، خشية على حياة الجنود في الميدان، الأمر الذي عمّق فقدان الثقة وأضرّ بسمعة وهيبة المؤسسة العسكرية.
وأشار إلى أن تراجع المعنويات وانخفاض الكفاءة القتالية لدى الجنود أثّر على قدرات الردع الإسرائيلية، وهي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها الكيان في بقائه، موضحًا أن مظاهر الانهيار النفسي والإنهاك الميداني تمتد أيضًا إلى المهاجرين والمستوطنين الذين بدأوا يشككون بجدوى الاستمرار في هذه الحرب.
ويرى اللواء عريقات أن التعافي من هذه الأزمة يحتاج إلى إمكانيات وجهود تفوق قدرات إسرائيل الحالية، في ظل عزلة دولية متزايدة، ما يفاقم من حجم الأزمة ويؤثر على سمعة الجيش عالميًا، وينعكس سلبًا على الاقتصاد والقدرة التسويقية لمنتجات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
ويختم عريقات بالإشارة إلى تصريحات النائب “الإسرائيلي” عوفر كسيف الذي قال: “يجب إنهاء الحروب وتحقيق سلام حقيقي، فالحكومة التي تُرسل جنودها إلى الحرب ثم تتخلى عنهم، هي من تعمل ضدهم، لا من يناضل ضد الحروب وجرائمها”.
ويخلص الخبير العسكري إلى أن ما يجري اليوم داخل المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” يؤكد أن القوة وحدها لن تحقق الأهداف السياسية والعسكرية التي تسعى إليها “إسرائيل” وأنها مضطرة لإعادة حساباتها في ظل التآكل الداخلي وتراجع قوة الردع وانهيار المنظومة النفسية والمعنوية لجيشها.
المصدر: شهاب
 
                    