فيتو مجلس الأمن مقابل فيتو البحر الأحمر: حين تخرس القوة، وتتكلّم الإرادة.
عدنان عبدالله الجنيد.
لا تعُدْ مفارقة.. بل صارت معادلةَ التاريخ الجديد: هناك، في قاعةِ الزيف الدولي، ترفعُ “أم الإرهاب” يدها لتمنعَ العالمَ من إنقاذ طفلٍ تحت الأنقاض.. وهنا، في عبابِ البحر الأحمر، ترفعُ اليمنُ سيفَ الحقّ لتمنعَ سفنَ الغطرسةِ من عبورِ قدَرها!
إنها ليست مقارنةً عابرة، بل هي مفترقُ الطرق بين نظامٍ يموت، وأمّةٍ تولد من جديد.
الفيتو الذي يقتل.. والفيتو الذي يحيي:
في مجلس الأمن، حيثُ الجلساتُ المهيبةُ والكراسي الفاخرة، تتحوّلُ كلمةُ “فيتو” إلى رصاصةٍ مصوبةٍ إلى صدرِ الإنسانية.
كلّما ارتفع صوتُ الضمير العالمي ليوقِفَ مجزرةً في غزة، تنهضُ الوحوشُ من مكامنها، وتقول أمريكا: “لا”! لا لوقفِ القتل.. لا لرفع الحصار.. لا لإنقاذ الأبرياء.
إنّه الفيتو الأكثر دمويةً في التاريخ.. فيتو الإبادة الجماعية.
ولكي تكتملَ صورةُ الانهيار الأخلاقي، ها هي “أم الإرهاب” – الداعم والممول والساتر الأول لإرهاب الكيان الصهيوني – ترفعُ صوتها بِوَقاحةٍ تطلبُ فيها الإفراج عن جواسيسها، أولئك الذين اخترقوا بمنظماتهم المشبوهة حصونَ سيادتنا، وحاولوا النيلَ من صلابةِ حكومتنا.
إنه تطورٌ سافِرٌ لا يستدعي إلا معركةَ وعيٍ شاملة، وحملةً كتابيةً مدويةً تفضحُ العارَ من قمته.
لكنّ شعوبَنا لم تعدْ تنتظرُ إذنَ القتلةِ لتعيش.
لقد حوّل اليمنُ العظيمُ البحرَ الأحمر إلى برلمانِ الأحرار.
برلمانُ الموجِ والرعدِ والصواريخ.
هنا، لا تُرفعُ الأيادي للتصويت، بل تُرفعُ الإراداتُ لتغييرِ موازينِ القوى.
“فيتو البحر الأحمر” لم يكن مجرّدَ منعٍ لعبورِ السفن، بل كان صفعةً مدويةً على وجهِ النظام العالمي البالي.
الذلّ الذي لم تتوقّعه أمريكا: هروب الفئران وزمن الهزائم:
ما حدث في البحر الأحمر لم يكن “عملية عسكرية” تقليدية.. لقد كان مسرحيةَ إذلالٍ كُتبَ مشهدُها الأخيرُ بأيدي أبناءِ تهامة.
ها هي أعتى قوةٍ بحريةٍ في التاريخ، التي كانتْ حتى الأمسِ تهدّدُ الدولَ والقياصرة، تُعلنُ “انسحابها التكتيكي” من مواجهةِ قواربَ يحملها إيمانٌ ويقودها إرهابٌ مقدس!
لقد هَرَبُوا كما تَهْرَبُ الفِئْرَانُ عندما يُنارُ على جُحْرِها.
نعم، لقد هُرِبتْ، ولم تنسحبْ.. لأنّ الانسحابَ قد يكونُ خطّةً عسكرية، أما الهروبُ فهو انهيارٌ نفسي.
لقد رأينا أسطولَها يفرّ من مواجهةِ قوةٍ لا تملكُ حاملات طائرات، ولكنها تملكُ حاملات إيمان.
لقد ولّى زمنُ الهزائم ولا عودةَ له، فقد أدركنا أنَّ شعبَ الإيمانِ والحكمةِ، تحت القيادةِ الربانيةِ والعلمِ الإلهي سماحة القائد السيد عبدالملك الحوثي يحفظه الله، هو مَن سَيَحْكُمُ في النهاية على “أم الإرهاب”، إرهابِ العصر.
إنه شعبٌ لا يخافُ قتلةَ الأطفال، ولا يرهبُ من هَرَبَ من البحر الأحمر خائباً.
استراتيجية الإذلال: الرد القاسي دون مهادنة:
لقد استدرجتْ قواتُ اليمنِ الأسطولَ الأمريكي إلى الفخّ الاستراتيجي الأكثر إبداعاً: جعلته يقاتلُ ظلاً لا يُمسك، ويطاردُ قوةً لا تُرى، وينفقُ ملياراتِ الدولاراتِ في مواجهةِ زوارقَ تكلفتُها أقلُ من صاروخٍ واحدٍ من صواريخه!
لقد حوّلوا البحرَ إلى مسرحِ حربِ عصاباتٍ بحرية، حيثُ الغوّاصُ الفقيرُ يغرقُ بارجةَ المليارات، والصاروخُ محليُ الصنعِ يثقبُ كبرياءَ القوةِ العظمى.
وإنَّ أيَّ تصرُّفٍ أحمقَ يتجرأُ عليه الشيطانُ الأكبر، سيواجهُ رَداً قاسياً دونَ مهادنةٍ أو تردد، لأن لغةَ القوةِ هي الوحيدةُ التي يفهمها.
سقوط أسطورة القوة الناعمة والقوة الصلبة:
ها هي أمريكا تُهزَمُ بأدواتها: هُزِمَتْ بالقوةِ الصلبةِ في البحر، وخسرتِ القوةَ الناعمةَ في الأمم المتحدة.
لقد سقطَ الفيتو الدبلوماسيُّ أمامَ فيتوِ البحر، كما يسقطُ الوهمُ أمامَ الحقيقة.
إنّ كلَّ “فيتو” ترفعهُ أمريكا في مجلس الأمن، يتحوّلُ إلى طاقةٍ دافعةٍ للمقاومة في البحر.
كلَّ طفلٍ تُقتلهُ بالوكالةِ في غزة، يتحوّلُ إلى مقاتلٍ جديدٍ في جيشِ الإرادة.
الخلاصة: ولادة النظام العالمي الجديد:
لم نعدْ في زمنِ القوةِ التي تُفرضُ من فوق.. لقد دخلنا عصرَ القوةِ التي تنبعثُ من أسفل.
من أعماقِ البحر، من قلوبِ المهمشين، من إرادةِ من قالوا “لا” ولم يخافوا.
فيتو البحر الأحمر لم يكن مجرّدَ حصارٍ لسفنِ العدوان.. لقد كان إعلاناً لولادةِ نظامٍ عالميٍ جديد.
نظامٍ لا تُصنَعُ فيه القراراتُ في القاعات المغلقة، بل في ميادين المواجهة.
نظامٍ تُكتَبُ فيه القوانينُ بدماءِ الشهداء، لا بحبرِ الدبلوماسيين.
ها هي “أم الإرهاب” ترى بعينيها كيف يُدفنُ نظامُها العالمي في قاعِ البحر الأحمر.. بينما تعلو على الأفقِ أنوارُ نظامٍ جديد.. نظامِ الأحرار.
لو كان البحر الأحمر يحملُ رايةً لكتب عليها: “هنا سقطتْ هيبةُ الإمبراطورية”
لو كان مجلس الأمن يملكُ ضميراً لاستقال من الخجل!
إنَّ شعبَ الإيمانِ والحكمةِ يقفُ اليومَ شاهداً وقاضياً.. وغداً سيكونُ المنفذَ لحكمِ التاريخ على “أم الإرهاب”.
