كتب عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البخيتي – محافظ محافظة ذمار:
في سلسلة من المكاشفات الصريحة، سأعرض جملةً من الحقائق التي غيبت في طيات بحرٍ متلاطم من الضخ الإعلامي المكثف، والتي لا بد من إحيائها من جديد, وآمل من جميع المشتركين إعادة مشاركتها لما تحمله من أهمية.
مكاشفة 1
لا بد أن نصارح الشعب اليمني بأن الحلّ السياسي في اليمن لم يعد ممكنًا، لأن القرار ليس بيد المرتزقة، فضلًا عن أن مصالحهم المالية والاقتصادية باتت مرتبطة باستمرار الأزمة.
كما ان استمرار الحروب الداخلية والاقليمية لاتزال تمثل مصلحة استراتيجية واقتصادية لأمريكا وبريطانيا, وإدعائها السعي لتحقيق سلام شامل ودائم في اليمن ما هو إلا تخدير للشعب بجرعة أملٍ كاذبة لإدامة الازمة، تمامًا كما تفعلان مع الشعب الفلسطيني منذ عقود.
ما يعيب خيار الحسم العسكري في اليمن هو كلفته الباهظة، لا سيما في ظل الظروف الراهنة, لذلك فالخيار الأنسب هو في تسلح الشعب اليمني بالوعي بعد أن تكشّفت له كل الحقائق، تمهيدًا لتحرك شعبي من صعدة إلى المهرة لتحرير اليمن من الاحتلال واستعادة ثرواته النفطية والغازية والمعدنية التي تتعرَّض لنهب منظّم من دول العدوان لتمويل مجهودها الحربي.
حرب التحرير مسؤلية الجميع للحيلولة دون تمكن العدو من تحويرها لحرب داخلية ونحن سنكمل المهمة.
محمد البخيتي
مكاشفة 2
أيًّا يكن شكل الدولة، سواء كانت مركزية أم اتحادية، وأيًّا يكن نظامها، جمهوريًا أم ملكيًا، فإنها تبقى دولة ما دامت تتوافر فيها ثلاثة مقوّمات أساسية: شعب تجمعه هوية وطنية مشتركة، وحيز جغرافي ذو سيادة، وحكومة مستنده لشرعية داخلية تمتلك السلطة والقدرة على اتخاذ القرار .
الخلاف بيننا وبين المرتزقة اليوم لم يعد حول شكل الدولة أو نظامها أو أي تفاصيل أخرى، بل أصبح خلافًا حول وجود الدولة من عدمها، لأنهم يتحركون نظريًا وعمليًا لهدم كل مقومات وجود الدولة اليمنية خدمة لقوى اقليمية ودولية وهذا واضح في ادبياتهم وفي تحركاتهم العملية.
أولًا: إنهم يعتبرون الشعب اليمني قاصرًا وغير قادر على حكم نفسه بنفسه، وبذلك يهدمون أول مقوّمات وجود الدولة المتمثلة بوجود شعب لدية هوية وانتماء وطني، من خلال إصرارهم على فرض المبادرة الخليجية “التي تضع اليمن تحت الوصاية الدولية” وقرارات مجلس الأمن “التي تضع اليمن تحت نظام العقوبات الدولية” كمرجعيتين لأي عملية سياسية في اليمن, بل ذهبوا أبعد من ذلك حين أسقطوا شرعية مؤتمر الحوار الوطني بإضافة بند ينصّ على أن أي مخرجات تتعارض مع قرارات مجلس الأمن أو مع المبادرة الخليجية تُعدّ لاغية.
ثانيًا: إنّ استدعاءهم للتدخل العسكري الخارجي، وشرعنتهم لتواجد القوات الأجنبية وهيمنتها على أجزاء من الجغرافيا اليمنية التي تحتلها، يقوّض الأساس الثاني من مقوّمات وجود الدولة، والمتمثّل في الحيّز الجغرافي ذي السيادة الوطنية.
ثالثًا: إنّ قيام محمد بن سلمان، بصفته وليّ عهد دولة أجنبية، بتعيين حكومة لليمن واعتماد لائحة تنظيمية لتسييرها بدلًا من الدستور، ينسف الأساس الثالث من مقومات وجود الدولة، والمتمثل في وجود حكومة تستند إلى شرعية داخلية قادرة على ممارسة السلطة واتخاذ القرار.
إنّ إصرار المرتزقة على فرض الوصاية الخارجية على اليمن، واستدعاءهم للتدخل العسكري الأجنبي، وقبولهم بشرعية حكومة عيّنها محمد بن سلمان، بل وتفاخرهم العلني بذلك، يؤكد أنّ هدفهم الحقيقي هو تدمير الدولة اليمنية. أما ادعاؤهم بأنهم يسعون لاستعادتها من حكومة صنعاء، فهو في حقيقته اعتراف ضمني بأنهم لا يمثلونها، وأن حكومة صنعاء هي الممثل الفعلي للدولة اليمنية.
كما أن دعوة العليمي وقادة المرتزقة لتشكيل تحالف دولي جديد أوسع من سابقه لإسقاط حكومة صنعاء، بذريعة أنها تشكل خطرًا على “المجتمع الدولي” الذي تقوده أمريكا، تكشف بوضوح طبيعة الصراع الدائر اليوم. وانه صراع بين الدولة اليمنية التي تقودها حكومة صنعاء، الساعية إلى استعادة سيادة اليمن واستقلاله ودوره التاريخي والحضاري على المستويين الإقليمي والدولي، وبين طرف خارجي هدفه تفكيك الدولة اليمنية إلى كيانات صغيرة ومناطق نفوذ، ليسهل عليه التحكم بها، خصوصًا بعد أن استشعر خطر نشوء دولة يمنية قوية وقادرة على لعب دور عالمي على حساب النفوذ الامريكي في المنطقة, وهذا ما اكدته المواجهة المباشرة الاخيرة ما بين اليمن كطرف وامريكا وحلفائها كطرف ثاني في البحرين العربي والاحمر.
إذًا، لم تعد القضية خلافًا داخليًا “لا سياسيًا ولا فكريًا ولا مناطقيًا” بل أصبحت معركة مصيرية، نتيجتها إمّا تفكيك اليمن وتمزيقه إلى كيانات متناحرة، أو تمكينه من استعادة دوره الإقليمي والدولي, وإمّا أن يرتفع علم اليمن في القدس، أو يرتفع علم إسرائيل في صنعاء.
وهنا يبرز السؤال الجوهري لكل مواطن يمني: أين تريد أن تكون؟
ننتظر منك الاجابة.
محمد البخيتي
مكاشفة 3
يعتبر النظام السعودي أنّ وجود دولة يمنية قوية ومستقلة إلى جواره يشكّل خطرًا على كيانه، ولذلك عمل منذ عقود على إضعاف اليمن من الداخل عبر إذكاء الصراعات السياسية والمناطقية والقبلية، حتى نجح في الانقلاب على الرئيس إبراهيم الحمدي ليتمكن من الهيمنة على اليمن من خلال ايصال عفاش إلى سدة الحكم، تنفيذًا لوصية عبدالعزيز آل سعود لأبنائه:”عزّكم في ذلّ اليمن، وذلّكم في عزّ اليمن.”
وهذا يؤكد أن مشكلة النظام السعودي لم تكن يومًا مع جماعة أو مكوّن يمني بعينه، وإنما مع فكرة الدولة اليمنية القوية والفاعلة.
كما أن وصف اليمن بـ “الحديقة الخلفية للسعودية” يمنح النظام السعودي شعورا زائفا بالتفوق، لتعويض عقدة النقصٍ التاريخية التي يعاني منها، حيث ظلّت السعودية منذ نشأتها حديقة خلفية لبريطانيا الى ان آلت تبعيتها لاحقًا إلى امريكا.
ومن هنا، فإن سعي النظام السعودي لإضعاف اليمن لا ينبع من شعور بالثقة في الذات بل من خوف مزمن من قيام دولة يمنية فاعلة تكشف هشاشة الأساس الذي يقوم عليه الكيان السعودي.
وعندما استنفد النظام السعودي طاقة وكلائه في الداخل، لإبقاء اليمن تحت هيمنته، انتقل إلى مرحلة العدوان المباشر، فشنّ حربًا شاملة بهدف إعادة وكلائه إلى سدة الحكم.
ورغم فشل عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها، وتحول الصواريخ والطائرات اليمنية المسيّرة إلى تهديدٍ مباشرٍ للعمق السعودي، إلا أن ذلك لم يُقنع النظام السعودي بضرورة السلام العادل الذي بات يمثل مصلحة مشتركة لكلا الطرفين لان مشكلته لاتزال مع وجود دولة يمنية فاعلة.
ومن اجل الهروب من استحقاقات السلام لجأ النظام السعودي إلى تكتيك «اللاسلم وللاحرب»، بهدف إبقاء اليمن في حالة عجز طويل الأمد, عبر المحافظة على مستوىٍ من الفوضى القابلة للإدارة أو ما يُطلق عليه «الفوضى الخلاقة» في المحافظات المحتلة، مع تشديد الحصار والضغوط على حكومة صنعاء.
لا بد من الاعتراف أن النظام السعودي لا يزال يحتفظ بورقة قوية بيده، وهي ما وصفها عبدالله النفيسي في بداية عاصفة الحزم بـ«ورقة الكاش والكلاش» لتحويل الصراع مع اليمن إلى حرب متارس وتباب داخل الجغرافيا اليمنية. وعندما تقدّمنا نحو الحدود السعودية، جندت الرياض مئات الآلاف من اليمنيين ليكونوا هم الخط الدفاعي الأول للجيش السعودي, وبذلك أعادة اليمن الى نفس المربع.
على أبناء اليمن من صعدة إلى المهرة أن يدركوا أن الحرب التي ينبغي علينا خوضها اليوم هي حربُ تحرير اليمن من الاحتلال الأجنبي. وإن مسؤولية تحريره تقع على عاتق الجميع, ولا يجوز أن نسمح للنظام السعودي بتحويل الصراع إلى حروب متارس وتباب داخلية تستنزف طاقة اليمن.
الحرب هي حرب تحرير، والحل يكمن في استعادة استقلال اليمن.
محمد البخيتي
مكاشفة ٤
اليمن بين صلابة الإرادة وحرب المصطلحات.
بقلم: محمد البخيتي
لم يكن اليمن عبر تاريخه إمبراطوريةً بالمعنى التقليدي، غير أن طبيعة شعبه الصلبة جعلت منه استثناءً فريدًا في مواجهة نفوذ أقوى الإمبراطوريات عبر العصور، الأمر الذي أبقاه بمنأى عن التحولات الجذرية التي عصفت بغيره من الشعوب والتي اعادت رسم جغرافيتها وتشكيل ثقافتها.
لذلك نلاحظ أن أمريكا وحلفاءها لم يراهنوا على تفوقهم العسكري الهائل لكسر إرادة الشعب اليمني، بقدر ما راهنوا على اختراق جبهة الوعي من خلال الترويج لمصطلحات تستهدف إعادة توجيه بوصلة العداء نحو الداخل.
وهكذا استطاع سلاح المصطلحات أن يحقق لأمريكا وحلفائها ما عجزت عنه آلاتهم العسكرية الضخمة، إذ مكّنهم من التأثير العميق في البنية المجتمعية والسياسية لليمن.
صحيح أن المحتلين قد ينجحون أحيانًا، وإلى حدودٍ معينة، في تسويق أنفسهم كمحرّرين، غير أنهم لم يفلحوا قط في تسويق مرتزقتهم على أنهم مقاومة. وقد يتمكنون من إلصاق تهمة الإرهاب بمن يقاومهم، لكنهم لم يبلغوا يومًا حدّ قلب الحقيقة إلى نقيضها، بحيث يُصنَّف المقاوم محتلًّا.
يُضاف إلى ذلك أن مصطلح “الهضبة” ظهر لأول مرة في وسائل إعلام العدو بعد أن كان حكرًا على اجتماعاتهم السرّية المغلقة، التي خُصصت لحياكة المؤامرات ضد اليمن وإعادة هندسة واقعه السياسي والاجتماعي، وكان مشروع “الأقاليم الستة” أحد أبرز المخرجات التي انبثقت عن تلك الاجتماعات.
الهضبة تمثّل نواة الكيان اليمني الصلب، بما تمتاز به من كثافة سكانية وتنوّع مذهبي وقبلي يعكس طبيعة اليمن الجامعة، لا كما جرى اختزالها في ما سُمّي بـ”إقليم أزال”، بهدف تفكيكها أولًا، ثم عزلها عن محيطها الوطني تمهيدًا لإضعاف دورها التاريخي في حماية بنية الدولة اليمنية وصونها من التهديدات الخارجية.
إن انخداع الكثير من اليمنيين بتلك المصطلحات جعل اليمن المعروف بصلابته في مواجهة أعتى الإمبراطوريات يأكل نفسه من الداخل، مما سهّل احتلال أجزاء واسعة من أرضه وتجميد حاضره.
أتذكّر أنه خلال مقابلة لي على قناة “بي بي سي” جدّدتُ موقفنا الداعي إلى وقف الحرب والمضي نحو مصالحة وطنية تحفظ دماء اليمنيين، غير أن محمد جميح كرّر في المقابل موقف المرتزقة الرافض لوقف الحرب، بذريعة أننا نقتل اليمنيين. وهو موقف يعكس بوضوح مدى نجاح العدو في التأثير على وعي بعض الفئات، إلى الحد الذي جعلها تُسهم، عن غير وعي، في تجريد بقية أبناء وطنها من هويتهم اليمنية واستخدامها كذريعة لاستمرار الحرب وسفك المزيد من الدماء.
لم تقتصر حرب المصطلحات التي شنتها الولايات المتحدة على اليمن على الساحة الداخلية فحسب، بل امتدّت إلى الفضاءين العربي والإسلامي، حيث جرى تسويق “عاصفة الحزم” على أنها حرب لإعادة اليمن إلى “الحضن العربي”، ولحماية “السُّنة” من خطر “المجوس والروافض”. وهكذا تحوّل الخطاب الإعلامي إلى أداة تضليلٍ ممنهجة، تُعيد صياغة الوعي الجمعي في المنطقة، وتبرّر عدوانًا سياسيًا وعسكريًا تحت غطاءٍ طائفي يهدف إلى تمزيق وحدة الأمة وإضعاف اليمن من داخله.
لقد أثبتت تجربة العدوان على اليمن أن المعارك الكبرى لا تُحسم دائمًا في ميادين القتال، بل في ميدان الوعي أولًا. فحرب المصطلحات التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لم تكن مجرد أداة دعائية، بل سلاحًا استراتيجيًا يهدف إلى إعادة تشكيل العقول وتزييف المفاهيم لتبرير الهيمنة وتمزيق الهوية الوطنية. ومن خلال هذا السلاح، جرى تصوير العدوان على أنه “تحرير”، والخضوع على أنه “تحالف”، والمقاومة على أنها “احتلال”.
إن تفضيلنا المواجهة المباشرة مع أعداء الخارج، وتجنّب الانخراط في صراعات داخلية، يعكس وعيًا استراتيجيًا بخطورة الحروب الداخلية.
ومن هنا، على الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة أن يتسلّح بنفس هذا الوعي, استعدادا لخوض معركة التحرير الكبرى التي ستغير موازين القوى لصالح اليمن على المستويين الاقليمي والدولي.
محمد البخيتي
مكاشفة ٥
“خمسون عامًا من الاختراق: كيف حكم اليمن مخبرون؟
بقلم: محمد البخيتي
أخطر ما يهدد وجود أي أمة هو أن يتمكّن عدوها من تنصيب عملائه حكّامًا عليها، ليتولّوا مهمة تقويض منظومتها الأخلاقية وهدم أسسها من الداخل.
لم يتمكّن الموساد الإسرائيلي من إكمال مخططه في إيصال المدعو عبد الرحمن البيضاني إلى سدة الحكم في اليمن، لان دوره التخريبي كان واضحًا ومكشوفًا للعيان. وقد أدرك ثوار السادس والعشرين من سبتمبر خطورته، فأجمعوا “بعد ثلاثة أشهر فقط من قيام الثورة” على عزله من مناصبه التي جمعها في آنٍ واحد “نائب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية” رغم إصرار أنور السادات على الإبقاء عليه حتى اللحظة الأخيرة.
الدور التخريبي الخطير الذي مارسه المخبر الموسادي هادي عيسى في تمزيق النسيج الاجتماعي بدمويّته العبثية لا يرقى إلى مستوى خطورة الدور الذي أدّاه عبد الرحمن البيضاني، رغم أن ارتباط هادي عيسى بالموساد لم يُكتشف إلا في وقت متأخر من عام 1966، حيث جرى إعدامه عقب انكشاف تلك العلاقة.
لذلك، لم تكتفِ القبائل اليمنية بقرار عزل المدعو عبد الرحمن البيضاني من مناصبه في يناير 1963، بل بادرت إلى عقد مؤتمر عمران في سبتمبر من العام نفسه، بمشاركة واسعة من مختلف القبائل والمكوّنات السياسية اليمنية، وبمباركة من قيادات الجمهوريين والملكيين على حدٍّ سواء.
وقد جاء ذلك المؤتمر لإعلان البراءة منه وتجريده من الجنسية اليمنية، لكونه لا ينتسب إلى أبٍ يمني بالولادة، بل بالتبنّي، وهو ما تحرّمه الشريعة الإسلامية بنصٍّ قرآنيٍّ صريح.
بعد ذلك، تعرّف الموساد الإسرائيلي على عفاش في عام 1972 بمدينة أسمرا أثناء مرافَقته للغشمي في رحلةٍ علاجية، وهناك وجد فيه الموساد ضالّته، فقام بتجنيده ورعايته تدريجيًا حتى أوصله إلى سدّة الحكم عام 1978، ليواصل تنفيذ المهمة التخريبية لبنية المجتمع اليمني التي كان البيضاني قد بدأها من قبل.
ولتفادي انكشاف دوره التخريبي كما حدث مع المدعو البيضاني، حرص الموساد على تقديم عفاش بصورة الشخصية الشعبية البسيطة القريبة من عامة الناس، ليتمكّن من العمل بصمت على هدم المنظومة الأخلاقية والثقافية للمجتمع اليمني من الداخل، دون أن يثير الشبهات حول ارتباطاته أو أهدافه الحقيقية.
إنّ التزام عفاش بمبدأ التخلّص من الخصوم والشخصيات الوطنية بعد التصالح معهم، واستخدامه أساليب القتل البطيء عبر مواد سامة كـ البولونيوم التي استخدمها الموساد لاغتيال ياسر عرفات والتي لا تترك اي اثر، يكشف بوضوح الوجه الخفي لشخصيته ذات النزعة الموسادية.
كما يفسّر ذلك حالة الازدواج الغامضة في سلوكه وشخصيته، التي حيّرت المراقبين لسنوات طويلة بين ما يُظهره من وُدٍّ وتقارب، وما يُخفيه من غدرٍ وخيانةٍ ممنهجة.
مع اقتراب لحظة التخلص من مخبر الموساد الاسرائيلي بعد ثورة ٢٠١١ تدخل الخارج لايصال مخبر جهاز الاستخبارات البريطانية M16 للحكم, وعندما اصبح شبه عاجزا عن اداء مهامة تم عزله وتعيين مخبر السي اي ايه الامريكي.
لم يكن غريبًا أن يكون النظام السعودي أداةً بيد أعداء اليمن لتمكين مخبريهم من الوصول إلى أعلى هرم السلطة، إذ إن ضرب استقرار اليمن وإعاقته عن النهوض يمثّل مصلحةً مشتركة للنظام السعودي من جهة، ولأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني من جهةٍ أخرى.
لقد أدرك الشاعر عبدالله البردوني مبكرًا خطورة الدور الذي كان يمارسه النظام السعودي، فعبّر عن ذلك بحدّة شعرية ونبرةٍ يعتصرها الألم في قصيدته الشهيرة “الغزو من الداخل”، حيث أشار إلى النظام السعودي باسم “أمير النفط”، كنايةً عن هيمنة المال والنفوذ على القرار اليمني.
لولا وجود القاضي عبدالرحمن الإرياني بما امتاز به من صبرٍ وحكمةٍ وصلابةٍ في مواجهة الضغوط المصرية والسعودية آنذاك، ولولا وعي الشعب اليمني ويقظته، لما استطاع اليمن أن يتجاوز فتنة المدعو البيضاني، الذي لم يصل إلى قمة السلطة إلا لوقتٍ قصير لم يتجاوز ثلاثة أشهر. فكيف كان سيكون حال اليمن اليوم وقد ورث تبعات حكم ثلاثة مخبرين لأعدائه على مدى نصف قرنٍ من الزمن، لولا بزوغ المسيرة القرآنية التي أعادت للأمة وعيها وبوصلتها؟
قبل عهد عفاش، كان المسافر أو المغترب اليمني يحظى باحترامٍ وتقديرٍ استثنائيين في مختلف البلدان العربية والإسلامية التي يمر بها، إذ كان حضور الشخصية اليمنية يعني حضور الوفاء والصدق والأمانة والشجاعة.
غير أنّ تلك النظرة الإيجابية بدأت تتبدّل تدريجيًا خلال فترة حكم عفاش وما خلّفه من شلة، فتراجعت مكانة اليمني في أعين الآخرين. ولم تستعد الشخصية اليمنية بريقها واحترامها إلّا مع بزوغ المسيرة القرآنية، التي أعادت إليها قيمها الأصيلة، لا على المستوى العربي والإسلامي فحسب، بل حتى على المستوى العالمي، إذ صدق القول العربي القديم: “الناس على دين ملوكهم.”
محمد البخيتي
