كشف الإعلامي هاني الكنيسي عملية التزييف الإعلامي الذي استخدمته قوات العدوان الصهيوني لتسويق جرائم الابادة في قطاع غزة ولبنان
—————————————————————
في توثيق جرائم الحرب الصهيونية: فنون “التطبيع البصري”، وشواهد “التواطؤ” الإعلامي الدولي
الغرافيكس Graphics والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد 3D animation كانت أحد أسلحة الجيش الإسرائيلي في تضليل الرأي العام العالمي وتسويغ جرائمه الإبادية في قطاع غزة وفي عدد من المدن العربية والإيرانية. هذا ما خلص إليه تحقيق استقصائي موسع، أجرته مجلة +972 وLocal Call بالتعاون مع مؤسسات إعلامية وبحثية دولية. إذ يكشف التحقيق المطوّل عن عمليات تزييف “ممنهج” مارستها، على مدى العامين الماضيين، وحدة عسكرية متخصصة في جيش الاحتلال، مؤكدا أن العديد من “الأدلة القاطعة” التي تشدّقت بها آلة الإعلام العبري وتغنّى بها الناطق باسم جيش الاحتلال لم تكن في الواقع سوى “أوهام بصرية” مفبركة بأصول رقمية Digital مسروقة من المكتبات التجارية ومنشورات صنّاع المحتوى، ومعظمها من مصادر لا علاقة لها بالسياق العسكري، وليست نتاج معلومات استخباراتية أو رصد بالأقمار الصناعية، كما كان يزعم دائماً.
وقد تضمنت هذه الأصول أكثر من 50 مادة مختلفة، نُسخت مئات المرات عبر تصورات لمواقع تمتد من غزة إلى لبنان وإيران، شملت:
-نماذج ثلاثية الأبعاد مُشتراة من أسواق رقمية مثل KitBash3D
-مسوحات ضوئية لأعمدة كهرباء ومواقف سيارات وزوايا شوارع من بلدة ‘بورت أورشارد’ في ولاية واشنطن، نشرها فنان وصانع محتوى على منصة Patreon.
-صور لمنشآت مثل طاولات وخزائن حُصل عليها من المتحف البحري الاسكتلندي بموجب رخصة المشاع الإبداعي، واستُخدمت لتصوير مصانع صواريخ مزعومة تحت الأرض.
والهدف الاستراتيجي من كل ذلك، كان صوغ سردية إعلامية دعائية تستجلب تعاطف الرأي العام الداخلي والخارجي وتُضفي “شرعية” على الضربات التي وجّهتها الطائرات الإسرائيلية بأثقل القنابل وأكثر الذخائر فتكًا لمنشآت البنية التحتية المدنية، كالمستشفيات والمدارس والمباني الحكومية أو المؤسسات الإغاثية، وقتلت بها آلاف المدنيين، ليس فقط في غزة وإنما أيضاً في لبنان وسوريا وإيران.
ووفقاً للتحقيق الاستقصائي الذي شارك فيه باحثون إسرائيليون، فإن هذا العمل “الخداعي” ينتجه فريق صغير داخل وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، يُطلق عليه “خلية After Effects” نسبةً إلى برنامج المونتاج الشهير. ويضم الفريق مصممي رسوم متحركة ونماذج ثلاثية الأبعاد، يعملون باستخدام برامج مثل Adobe وBlender. وتكشف المقابلات التي أُجريت مع جنود سابقين في الوحدة، أن الأولوية في عملهم “الفني” كانت تُعطى لجمالية الشكل ولسرعة التنفيذ على حساب الدقة. إذ كان يُطلب من المصممين “ملء الفراغات في المعلومات الاستخباراتية الناقصة”، و”خلق انطباع بصري قوي يدعم السردية المقصودة”، وهو ما كان يتحقق غالباً بإضافة تفاصيل خيالية وعناصر مُختلقة، أو على حد تعبير أحد أولئك الجنود: “إذا أراد القائد إضافة المزيد من المخارط [لإنتاج الأسلحة]، أضفنا المزيد منها ليبدو النموذج أكثر قوة”.
وقد كانت الحجة الجاهزة دائماً في بيانات الناطق العسكري الإسرائيلي، أن تلك المواقع “المستهدفة” تضم مخابئ وغرف عمليات سرية لحماس أو مواقع صاروخية لحزب الله أو مراكز للنشاط “الإرهابي” أو حتى النووي .. إلى آخر تلك العناوين التي طالما رافقت الفيديوهات ومقاطع الغرافيكس والرسوم ثلاثية الأبعاد التي صُممت بعناية لتبدو “احترافية ومثيرة بصريًا”، وتم تداولها “بكثافة” في وسائل الإعلام الدولية، مثل CNN وBBC،
أبرز الأمثلة الصارخة التي يسوقها التحقيق، كان الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي في 27 أكتوبر 2023، والذي زعم أنه يكشف عن أنفاق ومخابئ تابعة لحماس تحت مستشفى الشفاء في غزة. الفيديو، الذي حصد ملايين المشاهدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، تضمن مشاهد ثلاثية الأبعاد تصور غرف قيادة وأنفاقًا متطورة. وبينما أصرّ المستشار السياسي للنتنياهو -في بيان رسمي- على أن المعلومات حول الأنفاق وغرفة القيادة تحت المستشفى “قاطعة” وتستند إلى “معلومات استخباراتية إسرائيلية”، يكشف التحقيق:
-فبركة داخلية: غرفة القيادة التي عُرضت في فيديو الشفاء ليست أصلية، بل ظهرت قبل أكثر من عام في رسم متحرك آخر للجيش يُصوّر نفقًا “مزعوما” تحت مدرسة للأونروا.
-فبركة خارجية: الشوارع المحيطة في فيديو “الشفاء” كانت مُزيّنة بواجهات متاجر خيالية مثل “Pizzeria” و “Andre’s Bakery”، المأخوذة من مكتبة Fabio’s للرسوم ثلاثية الأبعاد.
-النتائج الميدانية: لم يتم اكتشاف القاعدة الرئيسية لحماس المُصوّرة بتقنية ثلاثية الأبعاد على الإطلاق بعد الغارة الفعلية في منتصف نوفمبر.
