تحمل كلمة المثقف الكثير من الأوجه
تعرضت في الآونة الأخيرة، الكثير من المفاهيم والمصطلحات للتشويه، أو للفهم الخاطئ إذا أردنا أن نُحسن النية، حيث كثُرت العبارات، والجمل، والتوصيفات، التي تُستخدم في غير مكانها الصحيح، سأخصص هذا المقال، للحديث عن التشوهات التي يتعرض لها مصطلح المثقف.
تحمل كلمة المثقف الكثير من الأوجه، فبات من المتعارف عليه، أن كل شاعر، أو أديب، أو روائي، أو طبيب، أو مهندس.. إلخ، كل هؤلاء باتوا يُصنفون من ضمن شريحة المثقفين، وأبعد من ذلك، فكل من يقوم بنشر (بوست) على الفيسبوك، بات يُعرف على أنه مُثقف.
انطلاقا من هذا، يمكننا أن القول: إن كل من يُجيد القراءة والكتابة، هو مثقف بطريقة أو بأخرى، وهذا الكلام يحمل الشيء الكثير من الصحة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين محل هؤلاء المُثقفين من الثقافة عامة؟
للإجابة عن هذا السؤال، نستطيع أن نلجأ إلى الفيلسوف والمناضل الماركسي الإيطالي، أنطونيو غرامشي (1891- 1937)، حيث يُقسم غرامشي المثقفين إلى قسمين: المثقف التقليدي، والمثقف العضوي، يكمن معيار التفريق بين هذين النوعين، في الدور الذي يلعبه هذا المثقف ضمن بيئته.
المثقف العضوي الثوري: هو مثقف ينتمي إلى أحزاب ومنظمات ثورية جذرية، تُمثل الطبقة العاملة، ويكون المدافع عن مصالحها، التي تكون ذات برامج ثورية، تهدف إلى تغييرات جذرية في بنية المنظومة السياسية، والاقتصادية الاجتماعية، السائدة.
كما يوجد مثقفون عضويون رأسماليون، يُشكل طليعتهم التجار، ورجال الأعمال، ينتمون إلى غرفة تجارية قائمة على أساس الربح التجاري، وهي تكون ممثلة للطبقة الرأسمالية المُهيمنة.
في حين يبقى المهندسون والأطباء والسياسيون… إلخ، مثقفين تقليديين، وهم محكومون، حسب غرامشي، بأن ينتموا إلى إحدى الطبقات الاجتماعية، وفي الغالب يميل المثقف التقليدي للانتماء إلى الطبقة الرأسمالية، وذلك بسبب هيمنة الطبقة الرأسمالية على غالبية مجمعات هؤلاء المثقفين التقليديين.
كل ثورة هي بحاجة إلى مثقفين، عضويين، ثوريين بالضرورة، حيث وحده المثقف العضوي الثوري، يستطيع التسلح بفكرٍ ثوري، يُمكنه من تحقيق أهداف هذه الثورة؛ لذلك، يرى غرامشي ضرورة تسليح الطبقة العاملة، لتستطيع لعب دور المثقف العضوي في أي ثورة مستقبلية، تقوم بها هذه الطبقة، وذلك تفادياً لتنظيرات المثقف التقليدي، التي قد تأتي بنتائج عكسية على هذه الثورة.
المثقفون لا يُشكلون طبقة منفصلة ولا متحدة، ولا مستقلة بذاتها، بل يضمون أفرادًا من خلفيات، ومواقع طبقية مُختلفة جداً.
أي أن انتماء المثقف لأي طبقة اجتماعية، لا يُحدد هويته الثقافية، إن كان عضوياً أو تقليدياً، حيث يستطيع المنتمي إلى الطبقة العاملة، أن يكون مثقفاً تقليدياً، لا يلعب أي دور في خدمة طبقته الاجتماعية، وأبعد من ذلك، يمكن أن يكون المثقف المنتمي للطبقة العاملة مثقفاً عضوياً رأسمالياً، يخدم مصالح الطبقة البرجوازية المهيمنة على الطبقة العاملة ذاتها، وغالباً ما يكون ذلك انطلاقاً من مصالح شخصية ضيقة.
لذلك، فإن أي مثقف، يُريد أن يلعب دوراً فعالاً في عملية تغيير الواقع نحو الأفضل، عليه أن يكون مثقفاً عضوياً ثورياً، وذلك من خلال تبني أفكار ثورية جذرية.
فقد لا تكفي قراءة الصحف، والكتب، والمجلات، للقول: إن هذا الشخص مثقف، كما لا تُحدد الشهادة الدراسية مستوى ثقافة أي شخص.
يُفترض على الشخص، أن يقرن معرفته وثقافته، مع العمل الجدي في تسخير هذه الثقافة في خدمة المصالح الطبقية للمنهوبين، وبغير ذلك يكون المثقف هو مثقفاً تقليدياً، ينتمي حكماً إلى الطبقة المهيمنة، سواء كان يُدرك موقعه هذا، أم لم يكن يُدركه، وهو يتحول بذلك إلى مثقف عضوي رأسمالي.
ثقافة المقاومة