عندما يؤكد الرئيس الأمريكي في أحدث تصريحاته اليوم “الاحد” بأن أبرز اهدافه وأهمها هو انهاء الحرب في غزة لاستعادة مكانة إسرائيل دوليا، ويتباهى كاذبا بنيامين نتنياهو شريكه في حرب الإبادة والتجويع في الوقت نفسه بقوله “ان حكومته نجحت في تحويل الوضع من عزلة إسرائيل الى عزلة حماس”، فان هذا يعني ان مسألة الاسرى الإسرائيليين، سواء الاحياء (20 اسيرا) او القتلى (40 منهم) لا تحتل الأولية، ولا تشكل أي قيمة بالنسبة الى الرجلين الحليفين، والحرب الإبادية التي يشنانها سويا ضد أبناء قطاع غزة، ويهددان باستمرار جحيمها.
***
ترامب يتعجل الوصول الى اتفاق لوقف الحرب قبل شهر كانون اول (ديسمبر) المقبل موعد استلام “جائزة نوبل للسلام”، ويعتقد “مخطئا” ان ممارسة التهديدات لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” في القطاع سيحقق له الهدفين، أي جائزة نوبل، وكسر العزلة الدولية عن دولة الاحتلال.
قضية فلسطين ليست مربوطة بمصير عشرين اسيرا، فقد ظلت القضية حية، ومصدر تهديد لأمن العالم واستقراره لأكثر من مئة عام، ولن تؤثر في هذه الحقيقة، او تغيرها اكثر من أربع حروب رئيسية، وظلت، وستظل الحروب مستمرة، واحدة تلو الأخرى، ولن يوقفها الافراج عن 20 اسيرا، بضغوط وتهديدات من قبل رئيس امريكي أخرق، فاقد الاهلية، ومقيد بملف من الفضائح اوقعه جهاز “الموساد” في مصيدتها عبر عميله “جفري إبستين” الشهير، ونتحداه ان يفي بوعده ويرفع الحظر عنها.
الافراج عن 20 اسيرا إسرائيليا من قبل كتائب القسام لن يوقف الحرب، ولا يشكل استسلاما، فالمقاومة كانت موجودة قبل غزوة “طوفان الاقصى” الاعجازية، وستستمر وتتوسع بعدها، لان مئات الآلاف من الفلسطينيين لن ينسوا دماء أبنائهم، وسيثأرون لهم طال الزمن او قصر، كما ان هذا الافراج ان حصل، لن يشكل انتصارا لنتنياهو، بل سيعزز مكانة المقاومة وشعبية القضية الفلسطينية، وتصعيد عزلة الاحتلال ومعدلات كراهيتها في العالم بأسره فقد اتسع الخرق على الراقع، ومن خطف واسر بالأمس سيكررها في المستقبل.
أعظم إنجاز لـ”طوفان الأقصى” والعقول الجبارة التي خططت له، ونفذت كل فصوله بدقة متناهية، هو فضح اساطير “المظلومية” الصهيونية، وعلى رأسها معاداة السامية، وإسقاط أكاذيبها “الديمقراطية، وخدمة المجتمع الغربي وقيمه في العدالة والحريات وحقوق الانسان، والعد التنازلي للثورة بدأ، وآخر فصوله “اسطول الصمود” المبارك.
وجود 20 اسيرا إسرائيليا حيا، ليس أقوى أوراق كتائب القسام، بل ربما اضعفها، وكان مفاوضو الحركة مستعدين للإفراج عنهم، ولكن بالتقسيط في اتفاقات سابقة، ولكن من أحبطها هو المجرم نتنياهو الذي يجد في الحروب الطريق الوحيد للخروج من المأزق، شخصيا وكيانيا، والسلاح الأقوى في يد المقاومة في رأينا هو الإرادة، والايمان بحتمية النصر، والاستعداد للتضحية والشهادة، فكتائب القسام او “سرايا القدس” التي يريد نتنياهو نزع سلاحهما، لا تملك طائرات شبح “اف 35″، ولا صواريخ توماهوك، ولا مروحيات أباتشي، ودبابات ابرامز الامريكية، والميركافا الإسرائيلية، وما تملكه وتصنعه كليا في الانفاق هي قذائف القسام التي دمرت مئات الدبابات وعربات نقل الجنود، وجرى تصنيعها من بقايا حديد الشوارع، والمواد المحلية، وسيكون من السهل جدا وفي أيام معدودة تصنيع العشرات، وربما المئات والآلاف منها.
نتنياهو يريد الاحتفاظ بثلاث نقاط رئيسية في قطاع غزة (بيت حانون، محور فيلادلفيا، ومدينة رفح) على غرار ما فعل في لبنان (احتفظ بخمس مواقع عسكرية في الجنوب) ولن تكون هذه النقاط آمنة، ولن يهنأ باحتفاظ جيشه بها لفترة طويلة، وستتحول الى مصائد له، وسيفر هاربا مثلما فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي في سابقتين: الأولى في 14 آذار (مارس) 1957، والثانية في 12 أيلول (سبتمبر) 2005، عندما هرب المجرم ارييل شارون وجنوده وجميع مستوطنيه من القطاع “في ليلة ما فيها قمر” تقليصا للخسائر.
***
جميع الحروب التي خاضها نتنياهو لم يكملها، ولم ينتصر في أي منها، فـ”حزب الله” ما زال يملك 7500 صاروخ دقيق، وآلاف الصواريخ الباليستية الأخرى، الطويلة والقصيرة المدى، وفشلت كل محاولات وضغوط أمريكا في نزع سلاحه، وحرب الأيام الـ 12 على ايران انتهت بتدمير نصف تل ابيب ومدينة حاييم وايزمان، مقر أعظم معهد للتكنولوجيا في العالم، وها هي الصواريخ اليمنية الفرط صوتية والانشطارية تصل الى قلب القدس المحتلة للمرة الأولى، والقادم اعظم.
نتمنى على حركة “حماس” التي ادارت الحرب قبل وبعد “طوفان الأقصى” ان لا ترضخ لضغوط ترامب وسيده نتنياهو وتهديداته، وان تتمسك بشروطها كاملة فالحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية والعالمية تلتف حولها وتقف في خندقها، ونتنياهو لن يوقف الحرب وينسحب من القطاع حتى بعد الافراج عن الاسرى، وهو يبحث الآن عن حرب جديدة، وربما في ايران في محاولة يائسة لتحقيق ما فشل فيه في حرب الأيام الـ12 الذي استجدى وقفها تقليصا للخسائر العسكرية والمعنوية.. والايام بيننا.
رئيس تحربر صحيفة رأي اليوم د.عبد الباري عطوان