– سدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جيب شركائه في الدول العربية والإسلامية الرصيد الذي أضافه لحساب كيان الاحتلال في مباحثات بنيامين نتنياهو في واشنطن قبل إعلان الصيغة المعدّلة، كما تتطابق تأكيدات الأطراف الأميركيّة والإسرائيلية والعربية، وقد طالت أبرز التعديلات إلغاء بند تسليم السلطة في قطاع غزة لحساب حكومة تدير الضفة الغربية وقطاع غزة، وربط حصر السلاح بهذه الحكومة الفلسطينية التي تشكل السلطة الفلسطينية مرجعيّتها، والأهم بند يقول إن الحل هو خطوة على طريق إقامة دولة فلسطينية يرتبط بقيامها تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، وقبل كل ذلك انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة وفك الحصار براً وبحراً وجواً عن القطاع. وقد تمّ تعديل هذه البنود لصالح ما طلبه نتنياهو دون التشاور مع الجانب العربي التركي، ما تسبب في تعقيد مهمة الوفد القطري المصري التركي في الحوار مع الوفد الفلسطيني المفاوض والتريث بانتظار ما سوف ينتج عن ما وصفه رئيس وزراء قطر بالبنود والتوضيحات التي يتمّ النقاش حولها مع الجانب الأميركي.
– النظر إلى التعديلات التي تمّ إدخالها على الصيغة يتيح فهم علاقتها بالخطة الأميركيّة التي أعلنها الرئيس السابق جو بايدن، تحت عنوان طريق الهند أوروبا، عبر ربطها بخطوط نقل نفط وغاز وممرات بريّة وخطوط سكك حديد بين دول الخليج وفلسطين المحتلة، وضمان تطبيع عربي إسرائيلي كامل، وما يفرضه ذلك من وضع اليد على قطاع غزة ونزع سلاح المقاومة وأيّ سلاح يثير تحفظات “إسرائيل”، وتعظيم دور “إسرائيل” الإقليميّ وما يقتضيه من تصفية للقضية الفلسطينيّة وليس العمل لقيام دولة فلسطينيّة، وبمثل ما يشكّل مشروع طريق الهند أوروبا خطة أميركيّة لقطع الطريق على خطة الحزام والطريق الصينيّة، تشكّل خطة غزة الأميركيّة الإسرائيلية إعادة رسم الدور الإسرائيليّ في إطار مشروع الهيمنة الأميركيّة على المنطقة، بحيث يصبح الثمن المسدّد للعرب والأتراك هو التزام إسرائيليّ بعدم تعريض أمنهم للاستهداف، وصرف النظر عن تهجير الفلسطينيّين من غزة، مقابل التزامهم بجلب النظام السوريّ الجديد لاتفاق يحقق لـ”إسرائيل” السيادة براً وجواً في سورية، والتطبيع الشامل مع “إسرائيل”، وتحمّل مسؤوليّة نزع سلاح المقاومة الذي فشلت “إسرائيل” في تحقيقه عسكرياً عبر حرب السنتين.
– السؤال الأول الذي تطرحه الصيغة التي أعلنها ترامب تتصل بموازين القوى التي يعتقد الجانب الأميركي الإسرائيلي أنّها تتيح فرض تنازلات جوهريّة على الجانب العربيّ وتركيا بعد التوغّل الإسرائيليّ في سورية والضربات التي رافقته من جهة، وبعد العدوان على قطر من جهة مقابلة، بحيث يصير التخلّي عن “إسرائيل الكبرى” وتهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة، ثمناً كافياً للحصول على خضوع عربيّ تركيّ بالتنازل عن سورية وعن شرط الدولة الفلسطينيّة للتطبيع والاستعداد لتحمّل مسؤوليّة إخضاع المقاومة وإن لم يتحقق ذلك توفير التغطية لمواصلة الحرب على غزة بتحميل المقاومة مسؤوليّة إفشال فرصة الحل.
– بعد القمّة العربيّة الإسلاميّة في الدوحة والحراك العربيّ الأوروبيّ تحت شعار حلّ الدولتين والاعترافات التي تمّت بدولة فلسطين، اعتقدت قيادات العرب وتركيا أنّها وفرت أرضيّة مناسبة للتفاوض المتوازن مع إدارة الرئيس ترامب لصالح صيغة تضمن تحصين سورية بوجه الأطماع الإسرائيليّة، وربط مستقبل غزة بالضفة الغربيّة التي تعهّد الرئيس الأميركيّ بمنع ضمّها، ثم لم يضع التعهّد في صيغة الحل، وصولاً إلى دولة فلسطينيّة، وما يفعله ترامب هو اختبار ماذا سوف يفعل قادة الدول العربيّة وتركيا بعدما تلاعب بهم وأعاد صياغة الحل على مقاس المصالح والأطماع الإسرائيليّة، وليس ترامب وحده مَن يريد أن يرى ذلك، الفلسطينيّون يريدون رؤية ماذا سوف يفعل قادة العرب وتركيا بعد الخديعة، والشعوب العربيّة والإسلاميّة تريد أن ترى أيضاً، وموازين القوى تتيح لهم فعل الكثير وقول الكثير، فهل يفعلون ويقولون ما يلزم وما يمكنهم فعله وقوله؟
– سؤال استطراديّ بالمناسبة، ماذا سوف تفعل الصين أمام الخطة التي تستهدفها مباشرة، وهي قادرة على تدعيم موقف العرب وتركيا للتمسّك بشروط الاتفاق الأصليّ الذي توصلوا إليه مع واشنطن؟
أ.ناصر قنديل