يهدف هذا المقال إلى تفكيك مفهوم “العرق السامي” من منظور تاريخي وأنثروبولوجي، وبيان أنّ العرب جزء أصيل من الشعوب السامية، كما يناقش كيف تحوّل مصطلح “معاداة السامية” في العصر الحديث إلى أداة سياسية وإعلامية تُستخدم لتجريم أيّ نقد للسياسات الإسرائيلية، حتى عندما يأتي من شعوب سامية أخرى.
نشأ مصطلح “السامية” في الدراسات الأوروبية الحديثة لتصنيف اللغات في الشرق الأدنى القديم، لكنه سرعان ما اكتسب دلالات عرقية وسياسية متعدّدة. في هذا المقال نعرض أصول المصطلح، ونستعرض علاقته بالعرب، ثم نحلّل الاستخدام السياسي لمفهوم «معاداة السامية» في الخطاب الصهيوني المعاصر، مع تقديم توصية علمية لفصل المعنى التاريخي للمصطلح عن توظيفاته الأيديولوجية،
1 ـ أصول مصطلح “السامية”
- صاغ المستشرق الألماني أوغست لودفيغ شلوتسر عام 1781م مصطلح Semitic استناداً إلى تقسيم أبناء نوح في سِفر التكوين (سام، حام، يافث).
*كان الهدف الأول تصنيف اللغات في الشرق الأدنى القديم: العبرية، العربية، الآرامية، الأكادية، وغيرها.
*الدراسات الوراثية والأنثروبولوجية الحديثة تؤكد عدم وجود “عرق سامي” خالص بالمعنى البيولوجي، بل هناك شعوب متداخلة عبر الهجرات والتجارة والحروب.
2 ـ العرب والشعوب السامية
العرب امتداد تاريخي للشعوب السامية الجنوبية . الغربية (سبئيون، معينيون، حميريون).
*اللغة العربية اليوم هي أوسع اللغات السامية انتشاراً واستمرارية.
*هذا يضع العرب في قلب الهوية السامية التاريخية، لا خارجها.
*معاداة السامية”من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
*مصطلح Anti-Semitism ظهر في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر لوصف العداء لليهود في سياق قومي–عنصري.
*مع الزمن اختُزل معنى السامية في اليهود فقط، رغم أنّها تضمّ العرب وغيرهم.
*بعد قيام “إسرائيل” صار الاتهام بـ”معاداة السامية” يُستخدم لتجريم أيّ نقد للسياسات الإسرائيلية حتى لو صدر من شعوب سامية أخرى.
4 ـ تساؤلات نقدية حول الاستخدام الصهيوني
*كيف يمكن اتهام العرب، وهم جزء من الشعوب السامية تاريخياً، بـ “معاداة السامية” حين يدينون سياسات إسرائيل؟
*أوَليس من المفارقة أن يصبح الشعب الفلسطيني، وهو سامي الأصل واللغة، متَّهماً بـ”معاداة السامية” لأنه يطالب بحقوقه؟
*إلى أيّ مدى تحوّل المصطلح إلى “درع سياسي” يَحول دون مساءلة “إسرائيل” عن انتهاكاتها للقانون الدولي؟
5 ـ نقد الاستغلال الصهيوني للمصطلح
إنّ الحركة الصهيونية والإعلام الإسرائيلي نجحا في ترسيخ صورة “اليهود = السامية”، بحيث يُنظر إلى أيّ إدانة للسياسات الإسرائيلية في فلسطين، لبنان، سورية، العراق، اليمن، مصر، الأردن وغيرها على أنها “معاداة للسامية”. بهذه الطريقة يُفرغ المصطلح من دلالته التاريخية واللغوية، ويُحوّل إلى أداة ابتزاز أخلاقي وسياسي لإسكات النقد وشيطنة المواقف المناهضة للاحتلال أو لسياسات القمع والتمييز. هذا الاستغلال لا يُنقص من حقيقة أنّ اليهود عانوا في أوروبا من اضطهاد وعنصرية، لكنه يفضح الازدواجية في استخدام مصطلح يفترض أن يكون وصفاً لظاهرة كراهية دينية أو عرقية، لا حصانة سياسية لأيّ دولة.
خاتمة وتساؤلات مفتوحة
إنّ تفكيك مفهوم “معاداة السامية” يكشف عن تداخل معقّد بين التاريخ والدين والسياسة. فإذا كان الهدف الأصلي للمصطلح هو محاربة الكراهية والتمييز ضدّ اليهود وغيرهم، فهل يجوز تحويله إلى حصانة سياسية تُمنح لدولة بعينها مهما ارتكبت من انتهاكات؟ وكيف يمكن للعرب، وهم جزء من الشعوب السامية، أن يُتَّهَموا بمعاداة السامية لمجرّد نقدهم للاحتلال أو دفاعهم عن حقوقهم الوطنية؟
بل أكثر من ذلك: ألا يُفقد هذا الاستخدام الانتقائي للمصطلح صدقيته الأخلاقية ويُضعف المعركة الحقيقية ضدّ العنصرية ومعاداة اليهود، فيتحوّل إلى سلاح أيديولوجي يكرّس الظلم بدل أن يحاربه، ويُفرغ القيم الإنسانية التي قام عليها من مضمونها؟
ثم إذا استمرّ هذا التوظيف في الخطاب الدولي، ألا يُعرّض مستقبل المفهوم نفسه إلى الانهيار وفقدان المصداقية بحيث لا يعود أداة فعّالة لمحاربة الكراهية، بل يصبح شعاراً سياسياً مثقلاً بالازدواجية؟ وأليس في ذلك انتقاصٌ من العدالة الكونية التي يُفترض أن تُطبق بالتساوي على كلّ الشعوب، فيحّول الصراع من مواجهة العنصرية إلى شرعنة التمييز وتبرير القمع تحت غطاء أخلاقي زائف؟
هذه التساؤلات لا تُقفل الموضوع بل تفتحه على آفاق أرحب. فالمسألة ليست فقط في كشف الجذور التاريخية لمصطلح “معاداة السامية” أو في نقد استغلاله السياسي، بل في البحث عن أطر ومفاهيم جديدة قادرة على محاربة كلّ أشكال العنصرية والتمييز من دون منح حصانة سياسية لأيّ دولة أو منع النقد المشروع لسلوكها.
من هنا يبرز سؤال أوسع: هل يمكن للباحثين والمفكرين والهيئات الدولية أن يطوّروا خطاباً عالمياً متوازناً، يميّز بين حماية الجماعات من الكراهية وبين مساءلة الدول على أفعالها، فيعيد للمصطلح صدقيته الأخلاقية ويصون في الوقت نفسه القيم الإنسانية والحقوقية التي نشأ من أجلها؟
ليندا غدار