أسطول الصمود واليمن يحاصران نتنياهو
الخميس  2025/09/25

بمفهوم الحرب نحن أمام تحولات كبرى في قواعد الاشتباك التي رسمها بنيامين نتنياهو للجولة الأخيرة للحرب على غزة التي بدأها في مطلع شهر نيسان المنصرم، فقد بدأت هذه الجولة على خلفية ثلاثة عناصر، الأول تعهّد أميركي بتحمل مسؤولية حائط الصدّ بوجه اليمن، بحيث تصبح الحرب على غزة بلا تبعات وتداعيات على الداخل الإسرائيلي، والثاني استخدام غير مقيّد لتصعيد عملية التجويع حتى يموت الناس جوعاً بتغطية أميركية حتى ترفع غزة الراية البيضاء وتخرج بوجه المقاتلين طالبة إلقاء السلاح، أما العنصر الثالث فهو الاستعداد لعملية برية لا تشمل كل قطاع غزة وتكتفي بمدينة غزة تدفع المقاومة خارجها ومعها مليون من سكان غزة الجائعين، بما يسهل التفاوض على شروط الاستسلام، وفوق هذا كله لا بدّ من صورة نصر إقليمية لم تعُد ممكنة في إيران بسبب الحسابات الأميركية، مقابل تعهّد أميركيّ بفتح ثغرة في المسار اللبنانيّ نحو نزع سلاح المقاومة.
– الواضح أن الرهان اللبناني قد فشل وأن نتنياهو وجد نفسه مضطراً لجعل سورية أولوية بديلة لصناعة صور نصر تُسهم في دفع المعركة على غزة، وفي سورية تحققت نجاحات جزئيّة، ولا يزال التعقيد المتمثل بالحصول على اتفاق يشرّع الهيمنة على الأجواء السورية إضافة لعمق بري يصل الى حدود العاصمة دمشق ومن ضمنه جبل الشيخ حكماً، ومصدر التعقيد هو حسابات تركية وعربية مختلفة عن الحسابات الإسرائيلية في سورية، وصعوبة المواءمة بين الحسابات، ما جعل الغارة على الدوحة متعددة الأهداف ومنها ما هو مرتبط بالضغط على الخليج وتركيا للتراجع في سورية.
– في ظل التشوّش في صورة النصر الإقليمي استمرت الحرب على غزة وتطوّرت طيلة ستة شهور، بدا معها أن الرهان على استسلام غزة وتراجع مقاومتها في غير مكانه، وأن المقاومة نقلت الكثير من قدراتها إلى مدينة غزة تجعلها معركة فاصلة يتلقى خلالها جيش الاحتلال الضربات الموجعة التي ترسم نهاية الحرب، بينما تكفلت مرونة المقاومة في المفاوضات وصفرية الأهداف الإسرائيلية المتمثلة بإلقاء السلاح والتهجير بجعل الناس والمقاومة في غزة في موقف موحّد، نعم لحلول واقعية لكن لا للاستسلام، والفلسطينيون لهم خبرة مع إلقاء السلاح خلال اجتياح بيروت حيث كانت مجازر صبرا وشاتيلا رغم الضمانات الأميركية، ولهم منذ عام 1948 خبرة مع التهجير، وخيار الفلسطينيين لا لصبرا وشاتيلا ثانية ولا لنكبة 48 ثانية.
– خلال شهر ونصف خاض الرئيس الأميركي بكل ثقل القوات الأميركية حربه على اليمن التي وصفها بفتح أبواب الجحيم، وفي الحصيلة فشل فشلاً ذريعاً واضطر لمغادرة الجبهة وترك “إسرائيل” تقلع شوكها بيدها، مسلّماً لليمن بمواصلة إسناد غزة، بينما ينسحب الأميركيّ من إسناد كيان الاحتلال، وفي 6 أيار أعلن وقف النار بين أميركا واليمن بشروط اليمن، وخلال شهور حاول نتنياهو تحقيق ما فشل ترامب في تحقيقه مع اليمن، وكان الفشل رفيقه الدائم، ونجح اليمن في إرهاق أعصاب المستوطنين وجعل حياتهم لا تطاق، ينزلهم إلى الملاجئ فجراً وفي منتصف الليل، وصولاً إلى ما ظهر مع غارات الأمس بالطائرات المسيّرة حيث بدأت الجبهة الداخليّة تنزف، وحيث الاستهداف في مناطق يصعب التستر على الخسائر فيها فتح الباب لتحديات جديدة حول جدوى تحمل المستوطنين تبعات الحرب على غزة، وهي لم تعُد كما وعدهم نتنياهو بلا تبعات وأكلاف.
– في مسار التجويع ورغم التغطية الأميركية وبعض الشراكات العربية، لم تتحقق أمنية رؤية الرايات البيضاء ترفرف فوق غزة، لكن صدى الجريمة تحوّل إلى صخب وضجيج في شوارع العالم، ولعب هذا الصراخ دوراً في تحول كبير في مواقف حكومات أوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطين، وتعرّض واشنطن لضغوط في الرأي العام قال ترامب إنها أظهرت تراجع نفوذ اللوبي الداعم لـ”إسرائيل” في الكونغرس والحزب الجمهوري بعدما فقد الكيان تأييد الحزب الديمقراطي الذي تغيّر كثيراً مع سيطرة جيل الشباب على قيادته ومنهم يهود مناوئون لـ”إسرائيل”، لكن التعبير الشعبي الأكبر كان أسطول الصمود المكوّن من عشرات السفن والذي يضمّ بين صفوفه عشرات الشخصيات الأوروبية، ما استدرج عند تعرّض الأسطول للمضايقات الإسرائيلية إعلان حكومتي روما ومدريد إرسال سفن حربيّة لمواكبة الأسطول ومساعدته.
– نتنياهو وحكومته في عنق زجاجة مهما تباهى بإنجازات القتال على سبع جبهات، فقد قتل الكثيرين ومنهم قادة كبار يتقدمهم السيد حسن نصرالله الذي تحيى ذكرى استشهاده بعد غد، ودمّر الكثير، لكنه لم يربح الحرب، وهو الآن في عنق الزجاجة ولا يملك استراتيجيّة خروج، بين تصعيد اليمن واقتراب الأسطول من ساحل غزة.

أ.ناصر قنديل