🔹محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام الذي صنفته وزارة الخارجية الأمريكية “إرهابياً عالمياً” ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للقبض عليه، دخل إلى نيويورك برفقة أسعد الشيباني، وزير خارجية الهيئة، للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة. هذا الحدث، الذي يبدو للوهلة الأولى مستحيلاً، يثير تساؤلات جدية حول آليات العلاقات الدولية وتناقضات السياسة الخارجية الأمريكية.
🔸في عام 2003 توجّه الجولاني إلى العراق وانضم إلى شبكة القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، معلناً أن هدفه هو محاربة أمريكا. وقد أُلقي القبض عليه خلال العمليات العسكرية الأمريكية ونُقل إلى معتقل بوكا. غير أن إطلاق سراحه عام 2008 ظل موضع شك كبير لدى المحللين، حيث يرى كثيرون أن هذا الإفراج لم يكن صدفة، بل ربما نتيجة تفاهمات سرّية مع السلطات الأمريكية. ومن هذا المنطلق، يعتبر البعض أن المكافأة المعلنة للقبض عليه لم تكن سوى وسيلة لتعزيز مكانته لدى الجماعات “الجهادية”.

🔹بعد الإفراج عنه، تعاون الجولاني مع أبي بكر البغدادي ولعب دوراً أساسياً في تأسيس الفرع السوري لتنظيم داعش تحت مسمى “جبهة النصرة”. هذا التنظيم، الذي صنفته واشنطن والأمم المتحدة كمنظمة إرهابية، سرعان ما تحول إلى إحدى أقوى الفصائل المسلحة في سوريا. وفي تسجيل صوتي بتاريخ 28 سبتمبر 2014، أعلن الجولاني عزمه قتال أمريكا وحلفائها. لاحقاً، وفي عام 2016، غيّر اسم الجماعة إلى “هيئة تحرير الشام” في محاولة لإعادة رسم هويتها.
🔸وفي نوفمبر 2024، شنّت الهيئة هجوماً خاطفاً على حلب مستخدمة أسلحة متطورة من الغرب منها الطائرات المسيّرة الانتحارية.. وتوبع الهجوم وصولا إلى مشهد سقوط سورية بالكامل تزامن هذا الهجوم مع هدنة بين لبنان والكيان الصهيوني، الأمر الذي عزز الشبهات حول دعم إقليمي واضح للجماعة
🔹دخول الجولاني إلى نيويورك يأتي في وقت لا تزال واشنطن نفسها تصفه فيه بـ”الإرهابي الخطير” وتعرض مكافأة لاعتقاله. هذه الخطوة تكشف تناقضاً صارخاً في الخطاب الأمريكي بشأن مكافحة الإرهاب، وتوضح أن الولايات المتحدة تستخدم الجماعات الإرهابية كأدوات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. فحضور الجولاني في نيويورك لا يفضح فقط ازدواجية السياسة الخارجية الأمريكية، بل يؤكد أيضاً أن شعار “الحرب على الإرهاب” ليس سوى غطاء دعائي، وأن المصالح الاستراتيجية تتفوق دائماً على المبادئ الأخلاقية والإنسانية.