تصريحات العدو بعد انطلاق اسطول الصمود العالمي: قراءة سياسية ونفسية
تُعدّ التصريحات الصادرة عن الكيان الصهيوني عقب إعلان “أسطول الصمود العالمي” من المحطات التي تستوجب تحليلًا دقيقًا، إذ تكشف عن محددات الاستراتيجية السياسية والأمنية المعتمدة في التعاطي مع المبادرة الدولية.
تركّز هذه التصريحات على إبراز ما تسميه “المخاطر الأمنية”، وتسليط الضوء على التحركات الدولية التي قد تُفسَّر على أنها تهديد مباشر لأمنه القومي. وقد حرص الخطاب الصهيوني على توجيه رسائل مزدوجة للداخل والخارج، تعزز القناعة بضرورة التعامل بصرامة وحزم مع أي محاولة لكسر الحصار على غزة.
من خلال متابعة هذه التصريحات، يتضح أن الكيان الصهيوني يسعى إلى نزع أي شرعية عن “أسطول الصمود”، عبر حملات تهويل وتخويف من تداعياته. ويعتمد هذا الخطاب على فرض أمر واقع يكرّس ما يعتبره “حقًا” حصريًا في التصدي لأي تهديد محتمل، مع استثمار عوامل سياسية ودبلوماسية لتعزيز موقفه.
النبرة جاءت في معظم الأحيان مشحونة بالتصلّب والعدائية، محاولةً تصوير المبادرة كخطر داهم يهدد الاستقرار الإقليمي، ما يبرّر اتخاذ تدابير تصعيدية، بل وربما عمليات استباقية. وبذلك، تتحول التصريحات إلى أداة ضغط سياسي وإعلامي، تُوظّف داخليًا لحشد الرأي العام، وخارجيًا للتأثير على مواقف المجتمع الدولي.
كما أن بعض التصريحات اتسمت بازدواجية لافتة بين لغة التهديد والتهدئة، في محاولة للموازنة بين التصعيد والاحتواء، بما يحافظ على صورة الكيان كطرف قادر على إدارة الأزمات دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. وفي الوقت نفسه، لم تُخفِ هذه التصريحات إشارات واضحة إلى تعزيز الانتشار العسكري واستعدادها لاستخدام القوة في حال تجاوز ما تعتبره “خطوطًا حمراء”.
البعد النفسي للتصريحات
التحليل النفسي يكشف أبعادًا أعمق لهذه اللغة، إذ يعكس الخطاب الصهيوني شعورًا متجذرًا بالتهديد وفقدان السيطرة، ما يُترجَم في كثير من الأحيان إلى نبرة استعلاء وتهويل عسكري. يتضح أن هناك نزعة لإظهار الهيمنة النفسية وتغذية صورة “المقاتل الذي لا يستسلم”، وهو ما يخدم حاجة داخلية ملحّة لترسيخ الثقة في مواجهة ما يُقدَّم كـ”مؤامرة خارجية”.
بعض التصريحات بدت دفاعية الطابع، مفعمة بالقلق من أي تحرك قد يقوض صورة الكيان أو يكشف هشاشته، مما يفسّر اللجوء إلى التهديد المتكرر. بينما أخرى حملت نبرة استفزازية هدفها استمالة الداخل الصهيوني وتخفيف التوترات الداخلية عبر خلق “عدو خارجي” دائم.
يتداخل في هذا الخطاب بُعد الذاكرة الجماعية والهاجس التاريخي من الهزيمة أو الاندثار، ما يجعل التصعيد الكلامي آلية دفاعية بامتياز. إنها محاولة لصياغة هوية صلبة لا تقبل الانكسار، حتى وإن كانت الحقيقة أكثر هشاشة مما يُراد إظهاره.
خلاصة
لا يمكن قراءة هذه التصريحات على أنها مجرد ردود أفعال سياسية آنية، بل هي انعكاس لمزيج من الحسابات الاستراتيجية والعوامل النفسية العميقة. فالكيان الصهيوني يوظف خطاب القوة والتهديد لترسيخ شرعية وجوده داخليًا وخارجيًا، وفي الوقت نفسه يكشف عن قلق متأصل من أي تحدٍّ يضع صورته ومكانته الإقليمية والدولية موضع اهتزاز.
سارة البراهمي تونس