نقاط على الحروف

ناصر قنديل

أمس كانت ذكرى 43 سنة على مجازر صبرا وشاتيلا، وكانت مناسبة لأخذ العبر والقول إن أطماع وتطلعات كيان الاحتلال في البلاد العربية لا تعبر عنها الأهداف المعلنة للحروب الإسرائيلية المتصلة بضرب حركات المقاومة، وأن ما كان صحيحا عام 1982 عندما اكمل الاحتلال لاجتياح الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت، بعد خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية وأسلحتها للبنان، فاضحا كذبة الزعم القائلة ان هدف الحرب كان إخراج منظمة التحرير، هو هو اليوم حيث الشعار المعلن نزع سلاح المقاومة، وما سوف يحدث كلما زالت عقبة السلاح هو المزيد التوسع الاسرائيلي، وهذا ما حدث عندما تم تدمير سلاح الجيش السوري، وهذا ما ينتظر غزة ولبنان اذا نجحت مساعي استهداف المقاومة وسلاحها.

يثبت كذلك أن التوسع الاسرائيلي ليس مصدر الخطر الوحيد عندما يسقط السلاح، حيث المجازر هي ما ينتظر السكان العزل، لأن الاحتلال قائم على زرع الرعب والترويع وجرائم الابادة ليست حدثا طارئا على سجله، وما جرى في بيروت قابل للتكرار في غزة وهو يتكرر بصورة أخرى اليوم، لكنه سوف يصبح أشد وضوحا وبشاعة إذا سقط السلاح، ويثبت كذلك أن الدول التي تتوهم أنها بمنأى عن الاستهداف بمن في ذلك من يعقدون الاتفاقات مع الاحتلال سرعان ما تصرح بعد سنوات من تضييع الفرص أنها كانت ضحية وهم وان ما تحدث عنه الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل عن الخبث الاسرائيلي وضرب عرض الحائط بالالتزامات والتعهدات سوف يكون خطابا رسميا عربيا في أي وقت قادم، وثبت أيضا صحة ما قاله الجميل متأخرا عن وهم الاعتماد على الضمانات الأميركية، وهو ما قالته مبكرا مجازر صبرا وشاتيلا، حيث منح الرئيس الأميركي رونالد ريغان ضمانته لحماية المدنيين الفلسطينيين بعد مغادرة منظمة التحرير وسلاحها، ويثبت أيضا ايضا ان لا وجود لما يسمى بالمجتمع الدولي عندما يتصل الأمر بردع إسرائيل، حيث الشجب والادانة سقف ما يمكن ان يحصل عليه الضحايا.

ما أشبه اليوم بالأمس، ولو أن القمة العربية الإسلامية ترفض التصديق، لكن الحقائق لا تحتاج لمعرفتها الى تحليل بل إلى قراءة التاريخ واستعادة الذاكرة، وهذا هو عنوان الحراك العالمي الذي دعت اليه شبكة اهلية تطوعية عالمية تحمل اسم كلنا غزة كلنا فلسطين، نجحت أمس بإشراك آلاف النشطاء عبر أكثر من مئة مدينة لإحياء المناسبة عبر إضراب عالمي عن الطعام تضامنا مع غزة، وحتى منتصف الليل كانت لا تزال مدن استراليا وكندا و الأميركيتين توزع الصور عن أنشطتها في عشرات المدن، وأمام البرلمانات والبدليات وفي ساحات عامة ومراكز أهلية، من واشنطن الى نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو إلى أوتاوا ومونتريال وانتو ريو وقبلها كانت اسكتلندا وفرنسا وألمانيا والسويد واسبانيا وايطاليا ومدن اوروبية عديدة، تزهو بأعلام فلسطين، عدا مئات الذين أحيوا الاضراب من منازلهم وهم ينشرون صور مشاركاتهم مرفقة بعبارات التضامن.

المفاجأة الكبرى كانت في الوطن العربي الذي اعتبر الغائب الأكبر عن الحراكات العالمية السابقة، وبينما حافظت تونس والمغرب وفلسطين على دورها الريادي وفي كل منها مئات النشطاء في عشرات المدن قاموا بالإحياء المنظم والحاشد، واستعادت بيروت تألقها باحياء حاشد منظم وجامع لشرائح المجتمع اللبناني و نخبها، لتكون سورية حاضرة بمستوى يعيد لها مكانتها في الحساب الفلسطيني بعد غياب، ويطل العراق بحضور واسع، وتحتل مصر والأردن مكانة مميزة بنهوض الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية بمسؤوليتها تجاه غزة، وقد كانت الصور الواردة من القاهرة وعمان مؤثرة لما قدمته من حضور قيادات من مختلف التيارات جمعتها فلسطين.

ما بدأ أمس يتجدد الثلاثاء القادم مع افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نداء قانوني جامع لإعادة العمل بالقرار 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 والذي يعتبر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، والذي تم الغاؤه عام 1991 مشرعا الباب لملاحقة كل من يناهض الصهيونية بتهمة العداء للسامية، وفي الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرار مدونة سلوك قانونية تحت عنوان أخلاقيات الذكاء الصناعي بما يمنع استخدام هذه التقنية الهائلة الإمكانات لخير البشرية كأداة للقتل والجريمة وقد وضعت الشركات المنتجة تقنيات الذكاء الصناعي منتجاتها في خطمة جريمة الإبادة الصهيونية بحق شعب فلسطين، ويقود هذا الحراك علماء ومبتكرون استقالوا من مناصبهم القيادية في كبريات الشركات العالمية احتجاجا على تواطؤ هذه الشركات في التغطية على الاستخدام الإجرامي للذكاء الصناعي.

By adam