منذ بداية الصراع العربي – الإسرائيلي، اعتاد الغرب على إصدار بيانات إدانة متكررة للانتهاكات التي يرتكبها الكيان بحق الشعب الفلسطيني. هذه الإدانات تبدو للوهلة الأولى مواقف أخلاقية، لكنها في حقيقتها لا تتجاوز كونها واجهة شكلية تهدف إلى تهدئة الرأي العام الغربي وإعطائه انطباعاً زائفاً بأن دوله تقف إلى جانب حقوق الإنسان.
لكن خلف هذا المشهد الإعلامي، تكمن الحقيقة الأعمق: الغرب الرسمي، بمؤسساته الأمنية والسياسية والاقتصادية، يرى في بقاء الكيان واستمراره قوةً ضامنة لمصالحه الاستراتيجية في المنطقة. فالكيان بالنسبة لهم ليس مجرد حليف، بل هو قاعدة متقدمة لحماية الهيمنة الغربية، ومفتاح لضمان السيطرة على مصادر الطاقة، والممرات المائية، والأسواق الحيوية في الشرق الأوسط.
الإدانات إذن، ليست إلا عملية تخدير للرأي العام، بينما القرار الفعلي في مراكز النفوذ العميقة ثابت وواضح: دعم الكيان بكل الوسائل، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، لأنه يمثل “الشريان الحيوي” لاستمرار النفوذ الغربي. ولهذا السبب، لا يمكن المراهنة على هذه الإدانات الشكلية ولا اعتبارها موقفاً حقيقياً من الجرائم، بل يجب التعامل معها باعتبارها جزءاً من لعبة سياسية هدفها حماية الاحتلال وتكريس مشروعه التوسعي.
أمام هذا التواطؤ الغربي، يبقى الرهان الحقيقي على وعي الشعوب الحرة التي تدرك أن فلسطين ليست مجرد قضية محلية، بل هي خط الدفاع الأول عن كرامة المنطقة بأسرها. وكلما اشتد الصمت الرسمي، تعاظم دور الأصوات الشعبية وحركات التضامن في فضح الزيف وكشف المستور.
إن معركة الوعي اليوم لا تقل أهمية عن المعركة في الميدان، فإدراك حقيقة المواقف الغربية هو الخطوة الأولى نحو بناء موقف مستقل وفاعل. وإذا كان الغرب يرى في بقاء الكيان شرياناً لحياته، فإن الشعوب ترى في زوال الاحتلال شرياناً لحياة كريمة وعدالة حقيقية.
فاتنة علي-لبنان
