كتبت صحيفة “البناء”: تلقى حكام العرب صفعة إسرائيليّة قاسية مع إعلان رئيس حكومة الكيان عن تمسكه بخريطة «إسرائيل» الكبرى كهدف لحكومته «المكلفة بمهمة ربانية»، ووفقاً للخريطة التي حملها نتنياهو وعرضها من منصة الأمم المتحدة قبل سنة، تضمّ «إسرائيل» الكبرى كل فلسطين والأردن ولبنان وسورية والعراق وبعضاً من الجغرافيا السعودية والجغرافيا المصرية، وجاء الرد العربيّ دون المستوى كالعادة فصدرت بيانات تنديد من الجامعة العربية والعواصم السعودية والمصرية والأردنية والعراقية، بينما لا تعليق في سورية ولبنان.

ما فعله نتنياهو هو التحدّث بصراحة عن كيفيّة تفكيره وما فعله العرب هو التعبير عن خشيتهم من فعل ما يجب عليهم فعله، ونتنياهو صاحب كتاب «مكان تحت الشمس» عام 1993، يقول علناً إنه يريد احتلال البقاع والجنوب في لبنان والوصول إلى مشارف دمشق في سورية وأطراف الموصل في العراق وأجزاء من مصر والسعودية، كحدّ أدنى من خريطة طموحة لـ»إسرائيل» الكبرى تشمل كل جغرافيا هذه الدول، ويصف هذا الحد الأدنى بحدود الأمن الإسرائيلي، لكن مَن يُقنع رئيس حكومة لبنان والرئيس السوري والرئيس الفلسطيني عدا حكام الأردن ومصر والسعودية والعراق بأن بلادهم وثرواتهم تحت منظار التصويب الإسرائيلي، وأن لا شيء يردع «إسرائيل» مما يتوهّمون من علاقات دوليّة ومساعٍ دبلوماسية قالت حرب غزة إنّها بلا قيمة ما لم تكن هناك قوة تردع، أو بالحد الأدنى التسبّب بالضغط الاقتصاديّ والقطيعة السياسيّة، لكن حتى الآن لا حياة لمن تنادي، ولذلك يمدّ نتنياهو قدميه حيثما شاء.

في لبنان انتهت زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني، بعد يومين من الصخب الإعلامي شارك خلالهما المسؤولون في الحكومة اللبنانية بالحديث عن مفهوم للسيادة يصوّر إيران كدولة تتدخل في شؤون لبنان وتضع مقياساً لدعم لبنان هو مساندة قرارات الحكومة، والموضوع المطروح لهذا الدعم هو نزع سلاح المقاومة، وقد نجح لاريجاني بكسر موجة الخطاب الرسميّ بالإشارة إلى التعدد اللبناني ومخاطر الانقسام في لبنان نظراً لما يقوله التاريخ وإعلان أن إيران تدعم التوافق اللبناني، أما عن السيادة والتدخل في شؤون لبنانيّة، فقال لاريجاني مخاطباً المعنيين، لسنا نحن مَن قدّم لكم ورقة بالتعليمات ووضع لكم جدولاً زمنياً لتنفيذها، فلا تخطئوا معرفة الصديق من العدو، والمقاومة رصيد لكل لبنان بوجه الاحتلال والعدوان اللذين لا يتوقفان عن السيطرة على الأرض اللبنانية وقتل المواطنين اللبنانيين.

وفيما تتوالى فضائح حكومة الرئيس نواف سلام بعد القرارات المشؤومة التي اتخذتها، وتبني حكومة بنيامين نتنياهو تقديم المساعدة للحكومة لإضعاف حزب الله وقرارات نزع سلاحه بموازاة إرباك تعيشه الحكومة وعهد الرئيس جوزاف عون الذي نقل عنه بعض المقرّبين وفق معلومات “البناء” عدم اقتناعه بقرارات الحكومة الأخيرة بحصريّة السلاح بيد الدولة، لكنه اعتقد أن ذلك يجنّب لبنان عدواناً إسرائيلياً موسّعاً كانت تتحضر “إسرائيل” لشنه على لبنان خلال الأسبوع الماضي.

وخطفت زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني الى لبنان الأضواء، حيث كانت زيارة ناجحة بكل المعايير، رغم محاولة وزير خارجية القوات اللبنانية جو رجي إلغاءها بالتعاون مع رئيس الحكومة وكل محاولات التشويش عليها تحت شعار السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية! فيما ذكّرت مصادر سياسية بوقاحة المبعوثة الأميركية مورغن أورتاغوس خلال زياراتها إلى لبنان، بشكرها “إسرائيل” من منبر قصر بعبدا على هزيمة حزب الله وتمخترها وتبخترها حاملة صاروخاً للمقاومة من مخازن الجيش اللبناني في الجنوب، ولفتت المصادر لـ”البناء” الى أن من المضحك المبكي أن المسؤولين اللبنانيين الذين يقدّمون محاضرات بالسيادة والاستقلال للمسؤول الإيراني علي لاريجاني هم الذين خضعوا وركعوا أمام المبعوث الأميركي توم باراك وأقروا تحت تهديد عصاه الغليظة ورقته التي تحمل الشروط الإسرائيلية. وتساءلت المصادر هل هناك سيادة بسمنة وسيادة بزيت؟ لماذا تصمت الأفواه حيال كل الانتهاكات الأميركية والسعودية للسيادة والتدخلات بالشؤون الداخلية ويبدأ التشدّق بالسيادة عندما يأتي مسؤول إيراني لزيارة لبنان؟

وتوقفت المصادر عند فضيحة كلام نتنياهو حول مساعدة الحكومة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله، والفضية الأخطر هو صمت الحكومة المريب حيال هذه التصريحات، وكذلك كلام نتنياهو أمس، عن نيته ضمّ مناطق واسعة في لبنان ومصر والأردن وسورية الى “دولة إسرائيل”.

الى ذلك، أبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أن لبنان راغب في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والصداقة القائمين على الاحترام المتبادل، لافتاً إلى أن اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة.

وأكد الرئيس عون أن الصداقة التي نريد أن تجمع بين لبنان وإيران لا يجب أن تكون من خلال طائفة واحدة أو مكوّن لبناني واحد، بل مع جميع اللبنانيين.

وشدّد رئيس الجمهورية على أن لبنان وطن نهائيّ لجميع أبنائه، مسيحيّين كانوا أم مسلمين، والدولة اللبنانية مسؤولة من خلال مؤسساتها الدستورية والأمنية عن حماية كافة المكوّنات اللبنانية.

ولفت الرئيس عون المسؤول الإيراني إلى أن من يمثل الشعب اللبناني هي المؤسسات الدستورية التي ترعى مصالحه العليا ومصالح الدولة، واذا كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى إلى تحقيق مصالحها الكبرى فهذا شيء طبيعي، “لكننا نحن في لبنان نسعى الى تحقيق مصالحنا”.

وأضاف: “نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة أتى، ونريد أن تبقى الساحة اللبنانيّة آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين من دون تمييز. إن لبنان الذي لا يتدخل مطلقاً بشؤون أيّ دولة أخرى ويحترم خصوصيّاتها ومنها إيران، لا يرضى أن يتدخل أحد في شؤونه الداخليّة.

غير أن أوساطاً سياسيّة سألت رئيس الجمهورية: هل ما يقوله ينطبق على التدخلات الأميركية والسعودية الفاضحة بالشؤون الداخلية اللبنانية؟

من جانبه، جدّد لاريجاني موقف بلاده لجهة دعم الحكومة اللبنانية والقرارات التي تصدر عن المؤسسات الدستورية اللبنانية، لافتاً إلى أن بلاده لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وأن ما أدلى به لدى وصوله إلى بيروت يعكس وجهة النظر الرسميّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ومن بعبدا، توجّه لاريجاني إلى عين التينة والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وأكد بعد اللقاء أن “لبنان هو بلد صديق لنا ولدينا الكثير من الروابط التاريخيّة واليوم لدينا أحسن العلاقات معه”.

وقال “نحن مؤمنون أن من خلال الحوار الودّي والشامل والجاد في لبنان يُمكن لهذا البلد الخروج بقرارات صائبة”.

وأكد أن “وحدة لبنان ونجاحه في الإنجازات والتطوّر والازدهار أمر مهمّ، وسياسة إيران مبنيّة على أن تكون الدول المستقلّة في المنطقة قويّة وهذا النهج يأتي على عكس ما تميل إليه بعض الدول، لافتاً إلى عدم تأييده “للأوامر التي من خلالها يُحدد جدول زمنيّ ما”، ورأى أنه “ينبغي على الدول ألا توجّه أوامر إلى لبنان”. وقال “رسالتنا تقتصر على نقطة واحدة، إذ من المهم لإيران أن تكون دول المنطقة مستقلّة بقرارتها، ولا تحتاج إلى تلقّي الأوامر من وراء المحيطات”. وأبدى “احترامه لأي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية بالنسبة للفصائل على أراضيها”.

وحطّ لاريجاني والوفد المرافق، في السراي الحكومي بحضور السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، حيث التقى رئيس الحكومة نواف سلام، الذي أكد أن “التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما وزير الخارجية عباس عراقجي، وعلي أكبر ولايتي، والعميد مسجدي، مرفوضة شكلاً ومضموناً. فهذه المواقف، بما انطوت عليه من انتقاد مباشر لقرارات لبنانيّة اتخذتها السلطات الدستورية في البلاد، ولا سيما تلك التي حملت تهديداً صريحاً، تشكّل خروجاً صارخاً عن الأصول الدبلوماسية وانتهاكاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل الذي يشكّل ركيزة لأي علاقة ثنائية سليمة وقاعدة أساسية في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وهي قاعدة غير قابلة للتجاوز”.

وقال “قرارات الحكومة اللبنانية لا يُسمح أن تكون موضع نقاش في أي دولة أخرى. فمركز القرار اللبناني هو مجلس الوزراء، وقرار لبنان يصنعه اللبنانيّون وحدهم، الذين لا يقبلون وصاية أو إملاء من أحد”.

وردًا على سؤال حول سبب عدم لقائه وزير الخارجية يوسف رجّي، قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني: “وقتنا ضيّق”.

وسخرت الأوساط السياسية من كلام سلام، معتبرة أن مفهومه للسيادة بالتعامل مع إيران يختلف عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، حيث تمّ استدعاؤه إلى فرنسا قبل القرارات المشؤومة، ونفذ الأوامر الأميركية بوقت قياسيّ، ولم يتسلح بذرة سيادة واستقلالية لتأجيل جلسة الثلاثاء إلى الخميس بطلب من وزراء “الثنائي”، لسبب أن الأمير السعودي يزيد بن فرحان طلب حسم إقرار بند حصرية السلاح في الجلسة.

وأشار لاريجاني، في كلمة من مرقد الأمين العام لحزب الله السابق السيد حسن نصرالله، الى أن “إذا أردتم السير على درب الشهيد السيد حسن نصرالله فواجبكم الصمود على المقاومة”، مؤكداً أن “حزب الله هو مفخرة ومدعاة للكرامة والعزة”.

وقال لاريجاني “الشهيد السيد حسن نصر الله كان رجلاً عظيماً وكان رأس مال كبيراً للعالم الإسلامي أجمع، وصحيح أننا فقدنا هذا الشهيد لكن أبناءه الذين تتلمذوا في مدرسته ما زالوا أحياء”، مضيفاً “حقد البعض لكم هو سبب تأثيركم وصلابتكم”.

واستقبلت لاريجاني حشود واسعة من جمهور المقاومة انتظرته على جانبي طريق المطار وفي منطقة “الكوكودي”، حاملين الرايات الصفراء والأعلام اللبنانية والإيرانية. كما التقى مجموعة واسعة من فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية والقوى والأحزاب الوطنية والقومية، وعدد من الإعلاميين.

ولفتت مصادر مطلعة على الزيارة لـ”البناء” أن زيارة لاريجاني في هذا التوقيت الحساس والخطير الذي يمرّ فيه لبنان والمنطقة، يحمل جملة رسائل للأميركيين والسعوديين بأن إيران لن تترك حلفاءها ولن تخلي الساحة للأميركيين والسعوديين الذين يتقدمون بموقفهم السلبيّ على الأميركيين عبر تدخل الأمير يزيد الفاضح وزيارات السفير السعودي في لبنان الذي يجول على مرجعيات ونواب الطائفة السنية وبعض الشخصيات السياسية المسيحية والدرزية لتحريضهم ضد سلاح المقاومة.

كما وجّه لاريجاني رسالة الى قيادة حزب الله والمقاومة وجمهورها بأن إيران مستمرة بدعم المقاومة ولن تقبل الاستفراد الأميركي الإسرائيلي والسعودي بمقاومة لبنان وأن إيران مستعدة لدعم المقاومة في لبنان بما تطلبه.

كما حملت زيارة لاريجاني الآتي من بغداد، رسالة مفادها أن تكرار العدوان على لبنان من “إسرائيل” أو أي جبهة أخرى، قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة برمّتها.

وفي رد على زيارة لاريجاني إلى لبنان، زار رئيس الأركان الإسرائيلي إحدى التلال المحتلة في جنوب لبنان.

ميدانياً، أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة أن “غارة العدو الإسرائيلي بمسيّرة على سيارة في بلدة حداثا قضاء بنت جبيل أدّت إلى سقوط شهيد”.

في المواقف شدّد الوزير السابق مصطفى بيرم على “أن المقاومة هي التي تمثل السيادة، وتوجّه ‏للذين يسألون ماذا قدمت المقاومة، وقال” ‏فلتعرفوا أنه لولا المقاومة ‏لكانت “إسرائيل” الآن في بعبدا وبيروت، ولتنظروا إلى التجربة في ‏جارتنا سورية، ‏سورية التي لم تطلق رصاصة واحدة على الكيان، ‏هاجمتها “إسرائيل” وأصبحت تحتل مساحات واسعة منها ‏تعادل مساحة ‏لبنان أو أكثر دون أن تنتظر ذرائع، فهي عدو توسعيّ احتلاليّ ‏عنصريّ لا يحترم ‏المستسلمين، ولا مكان للمستسلمين في هذا الزمن، ‏لذا فإن خيارنا هو التمسك بالمقاومة ونهجها لأنها هي ‏التي تصنع دولة ‏قادرة ومقتدرة وعزيزة”.‏

بدوره، شجب المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان، “إعلان نتنياهو تنفيذه خرائط مشروع إسرائيل الكبرى، في سياق إصراره على قتال الجبهات الموصل لهذا الحلم الإرهابي الأخطر. وهذا يعني أننا في قلب أزمة وجود كبرى تطاول نصف بلاد العرب، بل وتضرب عمق بلادنا العربيّة الاستراتيجيّ، وتؤكد المؤكد منذ العام 1948، على أن ما يجري في قطاع غزة والضفة وجنوب سورية وغيرها… دليل مطلق على وحشيّة هذا الكائن الصهيونيّ الأميركيّ الذي يعتاش على ابتلاع بلاد العرب بالقوة والاحتلال، والعين على أنظمة التطبيع وحكام الطاعة الأميركيّة للخروج من أسوأ كابوس سياديّ”.

وأضاف البيان: “حكومة لبنان وسلطاته التنفيذية معنية بالجواب الممنوع والموقف المقموع وسط شلل سيادي وفضيحة وطنية لا سابق لها على الإطلاق، علّ حكومة هذا البلد تفهم ما قاله رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إيال زامير اليوم فوق أرض لبنان المحتلة، ومن دون خشية من حكومة هذا البلد المنهزمة والتي لا تعرف لغة العنتريّات إلا اتجاه شعبها، فقط لأنّ بعض مَن بهذا البلد يقمع الجيش اللبناني العزيز من القيام بأكبر وظائفه السيادية، ولا حل في وجه هذا الطغيان الصهيوني إلا الممانعة السيادية وإسقاط الجوقة الحكوميّة المستسلمة فضلاً عن تأكيد الخيار الإستراتيجي جيش شعب مقاومة كأساس سيادي ووجودي لهذا البلد بعيداً من الاستسلام الحكومي الذي يهدّد أصل وجود لبنان”.

على صعيد آخر، أشار وزير الإعلام بول مرقص الذي تلى مقرّرات جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الحكومي إلى أن “ الموافقة على تطويع نحو 1500 رقيب لصالح قوى الأمن الداخلي، موضحاً بأنه تمّت الموافقة على تطويع رقيب متمرن اختصاصي وعادي عدد 500 ودركي متمرن عدد 1000 لصالح قوى الأمن الداخلي والموافقة على استخدام 56 أجيراً لصالح قوى الأمن.

وأعلن بأنه تم تعيين محمد سليم زعتري مديراً عاماً لمستشفى بيروت الجامعي، على أن يتم استكمال التعيينات لسائر مجالس إدارة المستشفيات الحكومية.

وأعلن عن جلسة حكومية غداً الخميس في السراي عند الساعة ٣ لاستكمال البحث في البنود الواردة في جدول الأعمال، والتي لم يتسنّ للحكومة درسها.