لبنان: تجربة تستحق الدراسة

كنا جميعا نشعر بالعجز وعدم الكفاية في كل ما نفعله لنصرة غزة، خصوصا عندما بدا أن الحرب تتمدد ويتعقد طريق وقفها، والحصار يشتد وتتعذر طرق كسره، ولم نكن نعلم ان هناك طرقا يمكن سلوكها لإيصال بعض الدعم إلى أهلنا في غزة، وأن هناك من يستطيع في غزة تحويل هذا الدعم إلى وجبات غذائية متنوعة وأرغفة خبر توزع على المستشفيات ودور المسنين والمحتاجين في بيوتهم، ويمكن الوثوق به، وان كل ذلك في مطال أيدينا ويكفي أن نفكر ونسأل ونخطط ونبدأ التنفيذ.
بدأ الأمر في لحظة غضب وانفعال أمام مشهد الجوع المتفاقم  في غزة وانهيار المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار، حيث بادرت يومها لإطلاق النداء تلو النداء في فترات البث المباشر الصباحي والمسائي التي اتوجه عبرها الى آلاف المتابعين والمحبين، احثهم على للمبادرة لنشر استعدادهم لارسال ما يستطيعون من مال إلى غزة ويسألوا أصدقائهم على وسائل التواصل أن يؤمنوا لهم التواصل مع من يستطيع مساعدتهم على تحقيق ذلك، وأن يراسلوني بالنتيجة، طالبا من كل من يعرف طريقا لتحويل الأموال إلى جهات موثوقة في غزة مراسلتي، وكانت النتيجة أن تدفقت على المراسلات تقول فعلنا ولم نحصل على نتيجة فهل توصلنا إلى أحد، وبالمقابل عشرات الرسائل تقترح طرقا أرسلت بعضها الى اصدقاء وكانت النتيجة أن بعضها لا يعمل، بينما  أنا أعلم أن زميلتنا الدكتورة لمى الرمحي تقوم بتنظيم مساعدات طبية ومالية الى الاهل في غزة، وتملك قاعدة عمل موثوقة ووسائل إيصال أموال تعتمدها وتحقق الهدف، فسألتها أن أرسل بريدها للراغبين، ورحبت بامتنان، وتدفق عليها سيل المتبرعين.
اقترحت على الزميلتين الدكتورة رندة سكسك والدكتورة هيبة بنلعربي معاونة الدكتورة لمى في تنظيم الرسائل، وكانت الاستجابة حماسية، وإتخذن عنوانا على التلغرام و الواتساب بهدف التواصل والتشاور، ثم إتخذن تسمية مجموعة ناصرون غزة وارسلوا لي بريدها، وبدأت اعمم البريد، وزاد التدفق في المراسلات ومعها الأموال والحكايات، من حكاية متبرع العشرين دولار الى حكاية متبرع يرغب بارسال مئة ألف دولار، بدأ بارسالها على دفعات، عشرة بعد عشرة وقد أرسل حتى الآن دفعتين، وآخر يرغب التبرع  بعشرين الف دولار، وكثيرين قاموا بجمع تبرعات من الصدقاء وقاموا بتحويلها سواء بمئات الدولارات او بالالاف منها، لكنه نهر خير جار، عساه لا يتوقف حتى تبنى بتدفقه مشاريع تسهم في تخفيف الآلام عن أهلنا في غزة.
هذه التجربة تقول اننا نستطيع، ان المال والذي ترتب عليه مهم جدا لأنه إسهام عملي يتجاوز مجرد الاسناد الإعلامي ونشر الحقائق والوقائع الى محاولة تغيير الواقع، وإسناد جبهة الصمود الشعبي التي تحمي جبهة الصمود المقاوم، لكن هذه التجربة تقول اننا نجحنا بإطلاق حركة ثقافية اجتماعية يشترك فيها الآلاف يتحدثون عن غزة، ويشرحون معاناتها، ويشكلون مجموعات عمل لمساندتها، وهذا تيار عربي إسلامي عالمي جبار، يمكن التأسيس عليه للقول إن أحرار بلادنا وشرفائها جاهزون للفعل وتلبية النداء بشرطين، أن يثقوا، وأن يجدوا من يقودهم ويتقدم الصفوف أمامهم.
لقد مثلت هذه التجربة مصدر فرح لا يوصف للذين انخرطوا فيها وقد قارب العدد العشرة في تحضير التبرعات، ومثلهم في فريق العمل داخل غزة، لكن الآثار الممتدة على حماسة آلاف المهتمين من خارج غزة، وآلاف الذين تصلهم المساندة داخل غزة، يقول إن نوعا من المقاومة الشعبية قد ولد من رحم هذه التجربة، تقوده نخبة مثقفة نشطة من بلادنا نفخر بالعمل معهم، ونفرح بحجم اندفاعهم وتضحياتهم، داخل غزة وخارجها.
[٢‏/٨، ٥:٤٦ م] ناصر قنديل رئيس تحرير البناء لبنان: مقالتي الاسبوعية لموقع طوفان
[٢‏/٨، ٥:٤٦ م] ناصر قنديل رئيس تحرير البناء لبنان: يضاف اليه بريد مجموعة ناصرون غزة naseroon.gaza@gmail.com