داعية، ومجاهدا، ومقاوما، وخطيبا مفوها، وقائدا وطنيا كبيرا، ورئيسا للحكومة الفلسطينية سابقا، ورفيق الشيخ المؤسس أحمد ياسين، هكذا عرف الفلسطينيون إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” حتى استشهاده.

وتوافق اليوم الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ورئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق القائد الوطني الكبير الشيخ الشهيد إسماعيل هنية “أبو العبد” في عملية اغتيال جبانة نفذها العدو الصهيوني خلال زيارته العاصمة الإيرانية طهران في الحادي والثلاثين من يوليو عام 2024، غداة مشاركته في احتفالات تنصيب رئيس الجمهورية الإيراني.

تحل الذكرى الأولى لاغتيال القائد هنية في وقت لا تزال فيه معركة طوفان الأقصى المباركة، وتداعياتها مستمرة ومتواصلة تٌلقي بظلالها السياسية والعسكرية على المنطقة والإقليم، إذ شكلت معركة طوفان الأقصى نقطة تحول كبيرة في المشهد السياسي والعسكري للمنطقة.

تمر ذكرى استشهاد القائد هنية في وقت تتصاعد فيه عمليات المقاومة الفلسطينية الباسلة في مواجهة العدوان الصهيوني وحرب الإبادة المستمرة على غزة، فيقذف رجال الله من أبناء المقاومة الباسلة وعلى رأسهم كتائب القسام بسلسلة عمليات “حجارة داود” المباركة، “عربات جدعون” الصهيونية، وتٌحطمها، وتٌحيل نصر العدو المزعوم إلى خيال وسراب، وتسطر بكمائن الموت المستمرة في مختلف مناطق القطاع، في بيت حانون، وبيت لاهيا، وحي الشجاعية، وحي الزيتون، وخانيونس، ورفح، ملحمة فلسطينية بطولية عنوانها “عبثا تحاول لا فناء لثائر”.

“آن الأوان أن تنجز حقوقنا الأصيلة والمشروعة، وشعبنا الذي ثار في السابع من أكتوبر على القيد والقهر، لن يتراجع حتى يستكمل مسيرته بالتخلص من الاحتلال، وأن يتوج ذلك بالحرية والاستقلال والعودة، وتقرير المصير، وذلك بوابة الأمن والاستقرار في المنطقة”، يؤكد الشهيد القائد إسماعيل هنية.

لم يكن هنية قائدا عاديا، بل كان قائدا وطنيا استثنائيا، إذ ترك إرثا وطنيا كبيرا، سيظل محفورا في الذاكرة الجمعية لشعبنا الفلسطيني، وشكل بحضوره الوطني الكبير أيقونة وطنية جامعة عز نظيرها في التاريخ الفلسطيني الحديث، وسيبقى مصدرا ملهما للأجيال الفلسطينية المتعاقبة، مخلدا اسمه في سجلات القادة العظماء في مسيرة شعبنا نحو الحربة والانعتاق من الاحتلال.

طوفان الأقصى

وخلال معركة طوفان الأقصى، قاد هنية حركة حماس بحكمة ومسؤولية عالية، ونجح في إدارة علاقاتها السياسية والمعركة التفاوضية للمقاومة الفلسطينية، بكفاءة عكست مكانتها وقوتها وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني.

“وبحجم الصمود الأسطوري لشعبنا، وبحجم الثبات البطولي لغزة كان صلابة الموقف السياسي وإٍيجابيته”، يؤكد الشهيد القائد إسماعيل هنية.

نجح القائد هنية المعروف بحنكته السياسية وحضوره القوي في المشهد السياسي الفلسطيني، في الجمع بين صلابة المحافظة على المبادئ والثوابت، والتعبير عن تطلعات شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وبين مرونة التعامل مع المتغيرات التكتيكية وفقه المصلحة.

وخلال معركة طوفان الأقصى، أكد هنية “: نحن واثقون بأن هذا العدوان سوف ينكسر، وسيندحر عن أرضنا مهما طال الزمن، لأن حركة حماس وكتائب القسام وجدت لتبقى، ونحن على يقين بوعد الله لنا بالنصر والتحرير والتمكين”.

نشأته

ولد إسماعيل عبد السلام أحمد هنية “أبو العبد” في الثالث والعشرون من يناير عام 1962، وترعرع في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، بعد أن هُجرت عائلته قسرا من قرية الجورة الواقعة في قضاء مدينة عسقلان المحتلة.

تلقى هنية تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وحصل على الثانوية العامة من معهد الأزهر، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة عام 1978 حيث حصل منها على درجة البكالوريوس في الأدب العربي.

مسيرته السياسية المبكرة

كغيره من رموز العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني الذين لم تنفصل مسيرة حياتهم عن هموم وطنهم، بدأ هنية نشاطه السياسي مبكرا، إذ برز عضوا نشطا في العمل الطلابي خلال دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة عام 1978.

وبسبب نشاطه الدعوي والسياسي اعتقلته سلطات الاحتلال الصهيوني للمرة الأولى عام 1987، والتي جاءت مع انطلاقة انتفاضة الحجارة من العام ذاته، حيث أشعل هنية بكلماته وخطاباته الجماهيرية روح المقاومة والثورة في مواجهة الاحتلال.

أٌعيد اعتقال هنية مرة أخرى عام 1988 لمدة ستة أشهر، وبتهمة الانتماء لحركة حماس، دخل هنية عام 1989 السجن مرة ثالثة، حيث أمضى ثلاث سنوات.

وفي السابع عشر من ديسمبر عام 1992، أبعد الاحتلال الصهيوني هنية إلى جانب 415 قائدا وطنيا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى قرية مرج الزهور اللبنانية في محاولة صهيونية يائسة لتفريغ الساحة الوطنية الفلسطينية من رموزها المناهضة للاحتلال، ثم أٌرغم الاحتلال أمام الصمود الأسطوري للمبعدين على إعادتهم جميعا بعد عام كامل من الإبعاد.

وفي عام 1997 عٌين هنية مديرا لمكتب الشيخ المؤسس أحمد ياسين، فكان رفيق الشيخ في مسيرة المقاومة والجهاد على أرض فلسطين.

وكسياسي فلسطيني، مناهض للاحتلال الصهيوني، تعرض هنية للعديد من محاولات الاغتيال الصهيونية، ففي السادس من سبتمبر عام 2003، تعرض لمحاولة اغتيال صهيونية فاشلة برفقة الشيخ المؤسس الشهيد أحمد ياسين.

عاصر هنية انطلاقة انتفاضة الأقصى في سبتمبر عام 2000، واعتبر أن اندحار العدو الصهيوني عن قطاع غزة في سبتمبر عام 2005، نتاج حقيقي ومباشر لانتفاضة الأقصى المباركة.

انتخابات 2006

شكلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الخامس والعشرين من يناير عام 2006، نقطة تحول في التاريخ السياسي الفلسطيني الحديث، ومسيرة هنية السياسية نفسه، إذ أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات فوز حركة حماس واكتساحها نتائج الانتخابات التشريعية بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132.

ترأس هنية قائمة التغيير والإصلاح التي حصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006.

وأعلن هنية في حينه أن حماس ستبدأ حوارا على الفور مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى بشأن شكل الحكومة الجديدة، والشراكة السياسية، وهو ما رفضته حركة فتح آنذاك، ما اضطر الحركة لتشكيل حكومتها منفردة ترأسها آنذاك الشهيد إسماعيل هنية ليصبح رئيسا للحكومة الفلسطينية، ثم تلا ذلك لاحقا محطات سياسية مختلفة انتهت بتنازل هنية عن رئاسة الحكومة خلال اتفاق الشاطئ عام 2014 لصالح تعزيز مسار الوحدة الوطنية الفلسطينية.

أسر شاليط

وبعد ستة أشهر على فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، نجحت كتائب القسام إلى جانب فصائل أخرى في الخامس والعشرين من يونيو عام 2006، من أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط من داخل دبابته خلال عملية الوهم المتبدد البطولية، حيث نجحت في الثامن عشر من أكتوبر عام 2011 بتحرير 1047 أسير فلسطيني مقابل تسليم الجندي شاليط.

وأكد رئيس الحكومة الفلسطينية آنذاك إسماعيل هنية أن عملية أسر شاليط والاحتفاظ به وإتمام صفقة وفاء الأحرار تمت في ظل حكم حركة حماس لقطاع غزة، وهو شاهد حي على الشعار الذي رفعته ” يد تبني ويد تقاوم.

العدوان على غزة

قاد هنية حركة حماس في العديد من المحطات الصعبة، كالعدوان المتكرر، والحصار المفروض على قطاع غزة، واستطاع برغم التحديات تعزيز مكانة حركة حماس السياسية، وبناء علاقات سياسية منفتحة على كافة المكونات العربية والإسلامية والدولية المختلفة.

ففي معركة الفرقان عام 2008 التي خاضتها المقاومة ردا على عدوان الاحتلال والتي أسماها العدو عملية “الرصاص المصبوب”، أكد هنية أن معركة الفرقان شكلت محطة مهمة في طريق تحرير القدس وفلسطين.

وخلال معركة حجارة السجيل في نوفمبر 2012، أكد هنية أن فلسطين والمقاومة أمام مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع هذا العدو، قائلا “هذه المرحلة كتبناها بالدم والشهادة والوحدة”.

وفي معركة العصف المأكول عام 2014، قال هنية “: إن الدماء التي سالت في معركة الفرقان، صنعت نصرًا وأسست لانتصاراتٍ لاحقة في معارك المواجهة مع العدو التي كان آخرها معركة (سيف القدس)”.

وخلال معركة سيف القدس عام 2021 التي انطلقت دفاعا ونصرة للقدس والمقدسات الإسلامية، أكد هنية أن معركة سيف القدس فتحت الباب أمام مراحل جديدة وأسقطت مشاريع الهزيمة، مشددا على أن القدس محور الصراع وبداية المعركة كانت في رحاب المسجد الأقصى، وأن الدماء التي سالت في هذه المعركة وفي المعارك التي سبقتها هي مقاومة على طريق القدس.

حروب مختلفة شنها الاحتلال الصهيوني في محاولة صهيونية فاشلة لاستئصال شأفة المقاومة الفلسطينية الباسلة، انكسرت جميع أهدافها أمام صخرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني ومقاومته البطلة.

رئاسة الحركة

وفي السادس من مايو عام 2017، انتخب مجلس الشورى العام للحركة هنية رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس خلفا لرئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وذلك بعد أسبوع واحد على إصدارها وثيقة المبادئ والسياسات العامة.

وذكر رئيس المكتب السياسي السابق للحركة آنذاك خالد مشعل أن حركة حماس قدمت نموذجًا في التحول القيادي السلس.

وفي أغسطس 2021، أعادت قيادة حركة حماس انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي مدة 4 أعوام قادمة، وذلك بعد اجتماع للجنة التنفيذية.

نجح هنية خلال رئاسته المكتب السياسي للحركة في قيادة حماس رغم التحديات الكبيرة داخليا وخارجيا، وتعزيز مكانتها السياسية، وبناء علاقات سياسية منفتحة على كافة المكونات العربية والإسلامية والدولية المختلفة.

كلمات خالدة

عٌرف الشهيد هنية بكلماته الثائرة التي ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال الفلسطينية، والتي طالما رددها في خطاباته:”لا مستقبل للاحتلال على أرض فلسطين” “إن حماس لن تقبل بأقل من كل فلسطين” “لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف، بإسرائيل”.. “نحن لا ولن ننفض عن المقاومة، نحن نلتحف المقاومة” “نقول لهذا العدو لن ننسى ولن نغفر”..

كلمات هنية ستظل محفورة في وجدان الملايين من أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية لتمنحهم الأمل بالحرية، وتشعل نار الثورة والجهاد والمقاومة في صدورهم، فيستلهمون منها معاني العزة والبطولة وهم يسيرون في درب والجهاد الطويل.

ولطالما أكد شهيد الأمة في خطاباته على الثوابت الفلسطينية، وحماية مشروع المقاومة، ورفضه التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وستبقى كلماته وإرثه حاضرا وملهما للأجيال الفلسطينية المتعاقبة.


الوحدة الوطنية

حرص هنية خلال مسيرته النضالية الطويلة على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وجمع كلمة الشعب الفلسطيني، حيث عمل على تذليل كافة العقبات التي تعترض طريق المصالحة الفلسطينية، مرورا بمحطاتها المختلفة.

وخلال اتفاق الشاطئ عام 2014، تنازل هنية عن رئاسة الحكومة الفلسطينية لتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها آنذاك د. رامي الحمد لله، في خطوة عكست روحا وطنية عالية، وإرادة وطنية صادقة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وأكد هنية أن المصالحة الفلسطينية تهدف إلى توحيد الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، قائلا”: إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية حرصا على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة”.

وفي محطات المصالحة المختلفة، قدمت حماس تحت قيادة هنية مرونة عالية وتنازلات كبيرة في سبيل ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية، ولطالما أكد هنية في خطاباته بأنه لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة.

ومن منطلق الوحدة، وفي خطوة أبوية، ورؤية وطنية صادقة، زار هنية في سبتمبر 2020، مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حظي خلالها باستقبال شعبي كبير، مؤكدا أن أحد أهم أولويات الحركة هي العمل بكل قوة من أجل الوحدة الوطنية، مشددا على الالتحام بين قيادة الحركة وأبناء شعبنا في كل أماكن تواجده.

شهادة الأبناء

وفي العاشر من أبريل 2024، وخلال معركة طوفان الأقصى، استشهد ثلاثة من أبناء القائد الشهيد إسماعيل هنية كانوا على متن سيارة مع 5 من أبنائهم لأداء صلة الرحم والتهانئ بمناسبة عيد الفطر المبارك.

كما استشهدت حفيدة هنية في استهداف مدرسة تؤوي النازحين، في حين استشهد الحفيد الأكبر لهنية بعد غارة صهيونية على منزله، إلى جانب ارتقاء أكثر من 60 شهيدا من عائلته المجاهدة.


الشهادة

وفجر الأربعاء الحادي والثلاثين من يوليو 2024، أعلانت حركة حماس عن ستشهاد رئيس القائد الكبير شهيد الامة إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، إثر عملية اغتيال جبانة وغادرة، نفذها العدو الصهيوني المارق والمنتهك لكل الشرائع والأعراف والمواثيق، في تأكيد على إجرامه وفاشيته التي يمارسها ضد شعبنا في الوطن والشتات، وضد أمتنا العربية والإسلامية.

وأكدت حركة حماس في بيانها أن القائد والرَّمز الوطني الكبير المجاهد أبو العبد مضى، إلى ربّه شهيداً، على درب القادة الشهداء العظام، وعلى رأسهم الشيخ المؤسس الإمام الشهيد أحمد ياسين وصحبه الكرام، ونال أسمى الأماني التي تمناها دوماً في أعظم معركة بطولية، معركة طوفان الأقصى، من أجل فلسطين والأقصى، لينضم إلى قافلة القادة الشهداء العظام، على درب النضال والمقاومة.

رسالة هنية

“امضوا ولا تتردوا”

“نقول لكل الدول بما فيها الأشقاء العرب.. هذا الكيان لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام هؤلاء المقاتلين، لا يقدر أن يوفر لكم أمنا ولا حماية، وكل التطبيع والاعتراف بهذا الكيان لا يمكن أن يحسم هذا الصراع”.

“إن حركة تقدم قادتها ومؤسسيها شهداء من أجل كرامة شعبنا وأمتنا لن تهزم أبداً، وستزيدها هذه الاستهدافات قوة وصلابة وعزيمة لا تلين”، يؤكد الشهيد القائد إسماعيل هنية، فهل يفهم غرباء الأرض أي شعب يحاربون!!!

يؤكد هنية مخاطبا أبناء شعبنا “لن نغفر لهذا العدو المجرم هذه المظلمة التاريخية، لن ننسى أرضنا، لن ننسى ثوابتنا”، “امضوا ولا تتردوا”، سيمضي شعبك يا سيدي على دربك، درب الحرية والانعتاق من الاحتلال، متمسكا بثوابته الوطنية، ممتشقا بندقيته حتى دحر الاحتلال عن كامل التراب الفلسطيني.