في زمن السكون القاتل، وحين كانت الأمة تتقلب بين أوجاع الهزيمة وتحتشد خلف شعارات باردة لا روح فيها، وُلد من رحم الألم صوتٌ قرآني، أضاء ظلمة التيه، ونفخ في جسد الأمة روحًا جديدة. لم يكن الصوت سوى “الصرخة”، ولم يكن الطريق سوى “المشروع القرآني”، الذي صاغه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ليكون البوصلة في زمن الضياع، والمنارة وسط بحر من التبعية والانكسار.

الصرخة لم تكن مجرد شعار يُرفع، بل كانت موقفًا يتخطى الجدران، ويتجاوز الخوف، ويعيد للأمة شجاعتها المسلوبة. بكلمات بسيطة لكن بعمق هائل، اختصر القائد معادلة الوعي: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام. وفي كل كلمة من تلك الكلمات كانت ثورة… ثورة على الخوف، على الاستسلام، على الذل، وعلى ثقافة الصمت والجمود.

أما المشروع القرآني، فهو ليس مشروعًا ظرفيًا وُلد كردة فعل على عدوان، بل هو بناء معرفي متكامل، أعاد ربط الإنسان بالقرآن لا بوصفه كتابًا للتبرك فقط، بل كدستور حياة، ومصدر وعي، ومنهج مواجهة. فيه تُقرأ الآيات لا لمجرد التلاوة، بل لتتحول إلى أدوات للفهم والتحليل والعمل والتغيير. إنه مشروع نهضوي، يرى أن الهزيمة ليست قدرًا، وأن الانتصار يبدأ من داخل العقول والقلوب.
لقد أيقظ المشروع القرآني الذاكرة الغائبة، وأعاد ترتيب أولويات الأمة. من خلاله، لم تعد القضية الفلسطينية ملفًا يُفتح في المناسبات، بل صارت بوصلتنا، صارت القضية المركزية التي تقاس بها المواقف وتُوزن بها التحالفات. ومع كل تقدم لهذا المشروع، اهتزت عروشٌ، وارتعدت فرائص، لأن ما يحدث ليس فقط حراكًا سياسيًا، بل نهضة فكرية، انقلاب على المفاهيم المعلبة، وبناء لعقلٍ عربي مسلم متحرر من التبعية ومتصالح مع قضيته وهويته.

وحدها الصرخة كسرت الصمت العربي، وبددت سُحب الوهم التي نسجها إعلام الأنظمة العميلة. وحدها أيقظت الشعوب من غفلتها، وصرخت في وجه المستكبرين: نحن هنا، وسنقاوم. ومن رحم الصرخة خرج جيش الكلمة وجيش السلاح، من صعدة إلى غزة، ومن دمشق إلى بغداد، ومن طهران إلى بيروت… ولليمن صدارة الموقف، حيث تحولت الكلمة إلى بندقية، والصرخة إلى فعل.

وما كان لهذا المشروع أن يثمر لولا قيادته التي آمنت به، وسلكت طريقه، وضحّت لأجله. فها هو السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحمل الأمانة ويواصل الطريق، بقلبٍ من نور، وبصيرة لا تخطئ العدو من الصديق. معه تحولت النظرية إلى ممارسة، والفكر إلى مشروع دولة، والمقاومة إلى نهج حياة.

اليوم، ونحن نقف على مفترق طرق، نجد أن المشروع القرآني لم يعد خيارًا نخبويًا، بل صار طريقًا للأمة بأسرها، وحاجةً للنهضة والتحرر. الصرخة صارت ثقافة، والمشروع صار واقعًا يبني أجيالًا مؤمنة بأن الكرامة لا تُوهب، بل تُنتزع، وأن الاستقلال لا يُستجدى، بل يُؤخذ عنوة من بين أنياب الطغاة.
إن المشروع القرآني والصرخة ليسا مجرد محطة في طريق الزمن، بل هما بداية زمن جديد، زمن الوعي، زمن الأمة الحرة التي تعرف عدوها، وتعرف طريق نجاتها

بقلم: أم هاشم الجنيد