في زمن ضجّ بالصراخ الفارغ والشعارات الجوفاء، كانت اليمن وحدها من اختارت أن تتكلم بلغة الفعل، لغة البارود والميدان، لغة الصدق الذي لا يعرف التزييف ولا المداهنة. فمن بين الركام والحصار، وبين أنين الأطفال وصبر الأمهات، خرجت العمليات اليمانية كالطوفان، تهدر في وجه الطغاة وتزلزل عروش المستكبرين.

من البحر الأحمر إلى خليج عدن، ومن المضيق إلى عمق فلسطين، سطرت القوات المسلحة اليمنية أروع ملاحم العزة، رافعة راية القدس على أمواج البحر، وناصبة رايات الكرامة في سماء الحرية. لم تكتفِ صنعاء بالكلمات، بل جعلت من البنادق أقلامًا، ومن الصواريخ رسائل إلى كل حرّ في هذا العالم أن فلسطين ليست وحدها.

وفي الجهة الأخرى من المشهد، كان الصمت العربي مشينًا ومهينًا. صمت الأنظمة، صمت الإعلام، صمت النخب التي طالما ملأت الدنيا ضجيجًا عن حقوق الإنسان وكرامة الأمة. وكأن الدم الفلسطيني لا يعنيهم، وكأن الحصار على غزة مشهد اعتيادي لا يستحق حتى شجبًا خجولًا. في مقابل كل صاروخ يمني كان يقصف مواقع العدو، كان هناك ألف تصريح تطبيعي يغسل وجه الاحتلال ويمسح دماء الشهداء عن أيدي القتلة.

لكن اليمن، بعزيمتها الراسخة، أثبتت أن القضية لا تموت، وأن صوت البندقية أنقى من آلاف الخطب المنمقة. أكدت أن المقاومة ليست خيارًا سياسيًا بل قدرًا حتميًا لمن يحملون في قلوبهم ذرة من شرف أو بقية من إيمان.
العمليات اليمانية ليست مجرد ردود أفعال، بل مشروع تحرر متكامل. هي رسائل للعالم أن هناك شعبًا لم ينسَ القدس، ولم يتاجر بها. شعبٌ رفع رأسه عاليًا حين انحنت رؤوس كثيرة تحت موائد التخاذل والتآمر.

ولئن كان الصمت عارًا على من صمتوا، فإن اليمن تكتب للتاريخ فصولًا جديدة من البطولة، تغرسها في وجدان الأمة كغرس الزيتون في أرض فلسطين. فاليوم أصبح واضحًا: من خان ومن أوفى، من باع ومن بذل، من عاش ذليلًا ومن ارتقى شهيدًا.
اليمن وحدها اليوم تقاتل بسلاحين: بندقية المقاومة وكلمة الحق. لا تهاب تحالف الطغيان، ولا تخشى أساطيل الباطل. صنعت من الحصار مدائن صبر، ومن الجراح مرافئ نصر. صنعت من الألم وقودًا يقودها نحو فجر تتحطم فيه كل القيود.

اليمن اليوم ليست مجرد بلد محاصر، بل بوابة المجد المفتوحة، تصنع معادلات جديدة وترسم خرائط الكرامة بالدم والعرق.
اليمن اليوم تعلم الأجيال أن العروبة ليست لهجة، بل دم يسري، وأن فلسطين ليست قضية للتجارة الموسمية، بل عهد أبدي لا يسقط بالتقادم.

وهكذا، أمام كل صاروخ يماني يهدر، كانت ملايين الخناجر تُغمد في صدور المطبعين… وأمام كل ضربة في البحر الأحمر، كانت خيوط العار تلتف أكثر حول أعناق الخانعين.

فلتصمت أبواق العار ما شاءت، ولتتآمر الطغمة المستكبرة كما شاءت، فاليمن سائرة نحو النصر، تكتب فصول التاريخ الجديد، وتعلق أوسمة الشرف على صدر كل مقاوم وكل حر.
فطوبى لليمن وأهلها الذين رهنوا دماءهم للحق، وطوبى لكل رصاصة أُطلقت من أجل كرامة هذه الأمة.

✒️ بقلم: أم هاشم الجنيد