الكتابة بالقلب والروح هي أصعب أنواع الكتابة لأن الكلمات تكون عاجزة عن وصف مكنون ما بداخلك، فاللغة العربية بكل ثراء مفرداتها عجزت تماماً عن التعبير عما يجيش بقلبي وروحي في وصف سماحة العشق شهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله، في يوم تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير، في جنازة مبهرة ومشهد تاريخي خالد، يليق حقاً بسيد شهداء المقاومة، الذي ارتقى شهيداً على طريق القدس كما كان يتمنى وكانت كلماته الخالدة في وداع رفاقه المقاومين هي “إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، ولم نجد أغلى من كلماتك لنودعك بها ونقول في أمان الله يا سيد، في أمان الله يا حبيب القلب والروح، في أمان الله يا حبيب الملايين، لقد كانت رحلتك القصيرة في الدنيا عظيمة، لقد أعدت لنا زمن الانتصارات، لقد أعدت لنا زمن الشرف والشجاعة، لقد أعدت لنا زمن العزة والكرامة، لقد منحتنا شرف الانتماء للمقاومة التي أرسيت دعائمها كمنهج سيظل خالداً أبد الدهر، فمثلك يا سيد منحة ربانية من الصعب أن يجود الزمان بمثلها، لذلك ستظل أيقونة عالمية، وهو ما برز في يوم وداعك، فقد توقفت الأرض عن الدوران، وجاءت الوفود الشريفة المقاومة المحبة من كل بقاع الأرض لتلقي عليك سلام الوداع، وخرجت لبنان بكل شرفائها لوداعك في موكب مهيب، ولم يتخلف إلا أعداء الله، لقد توقفت الحياة تماماً على سطح المعمورة وجلس العالم أجمع أمام شاشات التلفاز ليشاهد حفلاً مبهراً يليق بمكانتك يا شهيد الإنسانية.

 لقد حالت ظروف المرض بيني وبين المشاركة بين جموع الملايين المودعة على أرض الجنوب اللبناني الطاهرة، ويعلم الله حجم الحزن الذي كسر القلب باستشهادك يا سيد، لكن ما يخفف من وطأة الألم قليلاً هو تذكر قنوات المقاومة اللبنانية للعبد الفقير إلى الله بأن هناك في القاهرة محب وعاشق للمقاومة وسيدها الشهيد الأقدس سماحة السيد حسن نصرالله، فكانت مشاركتي المتلفزة والتي تكلمت فيها كثيراً وبكل الحب عن سماحة السيد الأسمى، وكانت الكلمات عاجزة عن وصف مشاعري، ولأول مرة أشعر بعدم سيطرة عقلي على ما يصدر مني من كلمات، وكأن روحي تسبح في الفضاء، وتذكرت خطاباتك المدوية وصوتك الهادر الذي يهز أرواحنا ويمنحنا القوة، ويبث فينا الأمل، ويشجعنا على المقاومة، ويثبت أقدامنا على طريق النصر، وتذكرت كم منحتني من شرف عندما كنت أخرج لتحليل خطاباتك عبر الشاشات المقاومة، والتي ستظل كلماتها هي الأصدق والأشرف والأنبل في تاريخنا لأنها كانت صادقة مع الله، فمنحك العلي القدير هذه المكانة العالية في قلوب الملايين.

 لقد حاول أعداءك وأعداء الله والإنسانية منع الاحتفال باستشهادك وتشييعك لأنهم يعلمون أن هذا اليوم سيكون إعلان لانتصارك، وانتصار المقاومة التي أرسيت دعائمها بصبر وحنكة وحكمة بالغة، فقبل أيام من يوم وداعك ومنذ أعلن أحبائك عن موعد التشييع، والآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة للعدو تعمل ليلاً ونهاراً، في محاولة إرهاب المقاومة وكل المقاومين حول العالم الذين أعلنوا عن مشاركتهم في حفل وداعك، وفشلت كل محاولاتهم بتعطيل الاحتفال باستشهادك وتشييعك، فأحبابك يعشقونك ومستعدين للتضحية بأرواحهم المؤمنة بك وبنهجك الذي أرسيته وطريقك الذي رسمته ومهدته لهم لذلك لم ترهبهم تهديدات العدو، ولقد كانت أكبر لحظة مجسدة لانتصارك وانتصار المقاومة حين خرجت الملايين لوداعك في مشهد لم تشهده لبنان في كل تاريخها وفي نفس الوقت خرجت طائرات العدو لتحلق في سماء لبنان، لكن روحك الطاهرة كانت لهم بالمرصاد، وكذلك أرواح أبنائك ومحبيك كانت ثابتة وراسخة وهي تحوم حول روحك، فيضطر العدو أن يفر هارباً ومنسحباً ومعلناً هزيمته، وهكذا هو أنت شهيدنا الأقدس سماحة السيد تنتصر في كل معاركك، وتؤكد دائما “أن المقاومة لا تهزم فعندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر”، وها نحن اليوم في يوم وداعك نؤكد انتصار المقاومة على العدو، فكل من شارك اليوم هو شهيد على طريق القدس وعلى نهج سيد شهداء المقاومة سماحة العشق سماحة السيد حسن نصر الله.

لقد أثبتت المقاومة اليوم أنها متعلقة بروح سيدها، وأنها ستظل على العهد، وسوف تواصل الكفاح والنضال على طريق القدس، لقد شيد شهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر بناءً تنظيمياً قوياً، لا يمكن أن يهتز برحيل قائد عظيم مثله، فكل رجال السيد قادة، وكما كان هو مؤمن بهم ويلقبهم برجال الله في الميدان، فهم أيضاً مؤمنون به وبنهجه وطريقه الذي عمده هو ورفاقه بالدم، لذلك كان يؤكد دائماً على انتصار الدم على السيف، وها هم رجال الله يؤكدون على استمرار المقاومة بصلابة وعزم لا يلين، فلن يذهب دم سماحة السيد ورفاقه الشهداء سدى، بل ستنتصر المقاومة في معركتها وصراعها الوجودي مع العدو، وسنشهد قريباً تحرير كامل التراب العربي المحتل، وسوف تقود روح سماحة السيد

المعارك مع العدو كما كان يقودها جسداً وروحاً، وكما انتصر على العدو جسداً وروحاً سوف ينتصر عليه روحاً دون جسد، فالمقاومة فكرة والأفكار لا تموت، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

بقلم / د. محمد سيد أحمد