ما أقصده بهذا العنوان هو أن الولايات المتحدة الأمريكية – على ما يبدو – تدير عملية كوندور أخرى، لكنها خفية هذه المرة. وعملية كوندور للإيضاح هي عملية استخباراتية أمريكية ساهمت في القضاء على العديد من الحركات الشيوعية واليسارية، وإسقاط أنظمة لها هذا التوجه، ودعم ديكتاتوريات عسكرية يمينية.
وبحسب آخر الأنباء فقد حدثت محاولة اغتيالٍ للرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قبل قليل. “فنزويلا: كاراكاس تعرب عن تضامنها مع الرئيس الكولومبي بعدما علمت أنه تعرض لمحاولة اغتيال -الميادين”
هذه المؤامرة التي طالت رئيس كولومبيا تذكرنا بمحاولة انقلاب حدثت في بوليفيا يوم 29 حزيران يونيو الماضي، لكنها لحسن الحظ لم تجد تأييداً كبيراً. إذ أدان جميع جيران بوليفيا القريبين محاولة الانقلاب، باستثناء الولايات المتحدة التي راقبت الوضع بدقة والتزمت الصمت.
قبل عشرة أيام من هذا الحدث، تم استدعاء القائمة بالأعمال الأميركية في لاباز للفت انتباهها إلى أن تصرفات السفارة تشكل “تدخلاً في الشؤون الداخلية” لبوليفيا. وفي 13 يونيو/حزيران، اتهم وزير الاقتصاد البوليفي السفارة الأميركية بشكل مباشر بالتحضير لـ “انقلاب ناعم” ضد حكومة لويس آرسي. حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى المحافظة على وجودها في هذا البلد، إذ تمتلك بوليفيا أكبر احتياطي من الليثيوم – المستخدم في إنتاج البطاريات – في العالم، وقد زاد الطلب عليه بشكل حاد في السنوات الأخيرة بسبب زيادة إنتاج السيارات الكهربائية.
كما يذكرنا أيضاً بمحاولة انقلاب جارية في فنزويلا منذ أسبوع، حيث اختار غالبية الشعب الفنزويلي تجديد عهد الزعيم البوليفاري نيكولاس مادورو، ويأتي هذا في تحدّ صريح للإدارة الأمريكيّة التي تحاصر هذا البلد منذ ربع قرن، بغرض استعادته إلى حظيرة نفوذها. وبذلت جهوداً مكثفة في دعم مرشح المعارضة اليمينية، وتخويف الفنزويليين من عواقب استمرار النظام التشافيزي على رأس السلطة في كاركاس.
ولكن رغم أن الغالبية صوتت لصالح مادورو، إلا أن فئة أخرى نسبتها %43 من المصوتين صوتت للمعارض اليميني – ورجل الأعمال الصهيوني – ادموندو غونزالس، نتيجة الأزمة الاقتصادية الحالية ( بسبب الحصار الأمريكي / الغربي الخانق الهادف إلى شلّ صناعة النفط الأساسيّة للاقتصاد الفنزويلي، وانهيار البوليفار نتيجة ذلك ) معتقدة أن النظام القائم في فنزويلا هو المسؤول. (وهذه واحدة من استراتيجيات الثورات الملونة).
السؤال الذي يُطرح هنا هو ما الذي يوحّد كل هذه الانظمة؟
كلنا نعلم أن كل هذه الحكومات تنتمي لليسار (ليس “اليسار” المزيف) وبالتالي فهي حكومات وطنية، وهذا لا يساعد القوى الإمبريالية عامة – والولايات المتحدة خاصة – التي تعيش من خلال ثروات الجنوب العالمي، وأمريكا اللاتينية جزء لا يتجزأ من هذ العالم. لكن ما يوحّدها أيضاً هو أنها أكثر الدول دعماً للحق الفلسطيني خارج المنطقة العربية الإسلامية والإفريقية (مثلاً جنوب إفريقيا)…
سياسياً أعلنت كلٌّ من كولومبيا وبوليفيا قطع علاقاتهما مع المستعمرة الصهيونية. وللتذكير فإن العلاقات بين لاباز وتل أبيب كانت بالفعل في حالة قطيعة، لكنها عادت بعد الانقلاب على الرئيس البوليفي ايفو موراليس. ومع مجيء لويس آرسي وفشل الانقلاب بقيت العلاقات الدبلوماسية شكلية فقط. ثم تم قطع هذه العلاقات في أواخر أكتوبر -تشرين الأول- الماضي كواحدة من نتائج طوفان الأقصى.
أما بالنسبة لفنزويلا فالعلاقات مقطوعة مع الكيان الصهيوني منذ حرب الأخير على غزة سنة 2008، أي في عهد الراحل هوغو تشافيز لروحه السلام. لكن الأمر لم يقتصر على تجميد العلاقات وقطعها، بل انضمت هذه الدول إلى جنوب إفريقيا في الدعوى التي رفعتها في العدل الدولية.
كما أن العلاقات الخارجية بين فنزويلا بالذات ومحور المقاومة متطورة. والجدير ذكره أنها وقفت مع اليمن وسوريا.. هنا قد يظهر الأمر بديهياً .. وهو سيكون بديهياً فعلاً لو كانت فنزويلا دولةً في خط طنجة جكارتا. يعني أن فنزويلا قامت بما لم تقم به الدول العربية والإسلامية. فهذه الدول لم تقدم حتى الحد الأدنى من الدعم المطلوب (أي الدعم السياسي والدبلوماسي) ممن يحمل موقعيتها، ناهيك عن الدعم العسكري واللوجستي – والذي قدمته وتقدمه دول وأطراف محور المقاومة –
لكن ما الذي يجمع هذه الدول الثلاث مع قضيتنا المركزية؟
الإجابة هي أن القضية الفلسطينية هي قضية كل إنسان على وجه الأرض، بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وعرقه إلخ… وليس شأن الدول “الداخلي” فقط، كما تقول فئة معينة تعيش معنا من المحيط الى الخليج… والأهم أن العدو الصهيوني موجود في كل مكان سواء بمفرده أو مع أحد حلفائه… “فلنكن وراء العدو في كل مكان” كما يقول الشهيد وديع حداد.
نذير محمد – تونس