تتسارع الأحداث و تتعاظم في دول المحور خاصة في الشهر الأخير ، على الصعيد العسكري و السياسي ، و من أبرز الأحداث السياسية التي شهدتها دول المحور هي المفاوضات السورية-التركية حيث أن ما يجري في سورية وحولها ومن خلالها لا ينفصل عن كامل المشهد في المنطقة بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجبهات الحرب المشتعلة عسكرياً وبالمقدمات والنتائج، و تكاد تكون القطبُ الخفية تكمن في دمشق، فهي وطهران الظهير السياسي والعمق الاستراتيجي للمقاومة، وعليه اخترنا لكم مقال نشر على موقع الخنادق بتاريخ ١/٨/٢٠٢٤ للصحفي السوري خليل عبد الحميد تحت عنوان (بعد تعثُّر المفاوضات السورية التركية مرات عديدة… بغداد تغيّر خارطة المواقف)
°°°°°°°°°
“بعد تعثر المفاوضات السورية التركية مرات عديدة… بغداد تغيّر خارطة المواقف.
منذ بدء الأزمة السورية في عام 2012 بدأت القطيعة الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة واتخذت فيها الأخيرة مواقف حادة سياسياً اتجاه الحكومة السورية، وتحولت تركيا إلى مقر غير صريح للقوة والشخصيات السياسية والعسكرية المنخرطة بشكل مباشر في الحرب ضد الشعب السوري بجميع مكوناته، وعملت على فتح حدودها لتوريد السلاح والمقاتلين وبث خطابات الكراهية والتفرقة، و إثارة النعرات لتغذية مشروعهم الصهيوأمريكي في المنطقة مع وضع الجيوسياسية والتهميش الاقتصادي في مرمى حرب باردة حول الغاز الطبيعي، بين عدد من القوى الإقليمية والدولية المرتبطة بالأزمة السورية، في مواجهة محتدمة بين كل من روسيا وإيران وسوريا من جهة، والاتحاد الأوربي وتركيا من جهة أخرى ضمن أشكال عدة من المواجهات العسكرية والسياسية والقضايا المتعلقة بالهجرة والإرهاب تمهيدًا لتغيير خارطة القوة في العالم.
في كل الحروب التي تحصل في عالمنا لابد من طرف ثالث يحل مكان الوسيط ويعمل على تأمين بيئة آمنة لمناقشة نزاعاتهم وخلافاتهم، مما يساهم في تفهّم كل طرف لوجهات نظر الآخر وتحديد نقاط الخلاف بين الأطراف وتركيز العمل على تسويتها والتوصل إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف، ومن أبرز مهام الوسيط أيضًا تدوين أو تسجيل الاتفاق رسميًا وأن يكون الصك المبرم ملزمًا لجميع الفرق، ولعل أبرز ما يجعل الوساطة أكثر فعالية في وسائل تسوية النزاعات هو توصل أطراف النزاع إلى حلٍ فيما بينهم بدلًا من أن يفرض عليهم من قبل طرف خارجي، مثل التحكيم أو القضاء وبدون الحاجة أيضًا إلى المحاكم الدولية.
من جديد ملف العلاقات السورية التركية إلى الواجهة يرافقه اهتمام إعلامي ويرعاه لاعبون إقليميون، حراك حقيقي بدأت بعض جوانبه تتضح بعد خارطة التقارب الإيراني السعودي التي قادتها حكومة بغداد وعلى رأسها محمد شياع السوداني، مراحل شاقة اجتازتها العراق في الوساطة بين الرياض وطهران ونقلتها إلى مراحل متقدمة قبل أن يصل الوفدان إلى بكين ويعلنا التوصل إلى مصالحة وتفاهمات جديدة، وفي هذا السياق بادر العراق بخطوات فعالة ليضطلع بدور الوسيط في تعزيز العلاقات بين دمشق و أنقرة، وذلك بهدف تخفيف حدة التوتر في المنطقة وفتح قنوات للحوار والتفاهم المتبادل بين البلدين.
سبق وأن حاولت أطراف إقليمية ودولية عدة معالجة الأزمة الحاصلة بين تركيا وسوريا إلا أنها لم تفضِ إلى نتائج آخذة، بينما بغداد قطعت أشواطاً مهمة في تقريب المسافة بين البلدين وعقد مصالحة بينهما، وإنهاء الخلافات بشكل جذري والعمل على تنظيم اجتماع بين مسؤولين أتراك وسوريين، وقد يحضر مسؤولون روسيون للجلوس على طاولة حوار واحدة كمحاولة لإعادة العلاقات إلى مجاريها، وتنطلق مساعي الوساطة العراقية من مصلحة الجميع ولاسيما العراق من ناحية ضبط الأمن والتنسيق بين الدول المجاورة على الأصعدة كافة، وهذا يعني أنه في حال نجحت المبادرة فستنعكس إيجابًا على دول المنطقة ، وإلى الآن توصف المحاولة العراقية بالجيدة، وهذا ما أكده عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية العراقية عامر الفايز بقدرة تأثير العراق الإيجابي على أصدقائه وجيرانه من دول المنطقة، ويرى أن الحكومة نجحت بشكل غير مسبوق في إدارة الوساطات بين الدول المختلفة، مما يعزّز دور العراق وإسهاماته في خلق الحياد بعيدًا عن الصراع، ويؤكد الفايز أن بغداد أصبحت الراعية لكل جيرانها من أجل مصالحتهم وحل نزاعاتهم وتقديم المساعدة للجميع، من دون محاباة دولة ضد دولة أخرى.
تشير الوقائع إلى أن وساطة السوداني ستنجح في جمع البلدين على طاولة واحدة وتصفية جزء من الخلافات وليس الخلافات كلها، لأنها عميقة ومتشعبة ومرتبطة ليس فقط بالدولتين وإنما هناك دول أخرى مشتركة في ذلك، وشروط تحتفظ بها كلتا الدولتين كمطلب دمشق بإخراج القوات التركية من أراضيها، وإصرار أنقرة بعدم الخروج بحجّة الخوف على أمنها القومي من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة بشكل مباشر من واشنطن، فالملف الأمني لدى البلدين قد يبقى عامل تهديد لهما وهذا قد يقلل من الاتفاق على كافة الشروط في مثل هذا التوقيت، وخاصة ضلوع أطراف دولية في المعادلة تتمثل في روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لقوات قسد، ما يعني أن القرار لا يتعلق بالدولتين وهذا قد يأخذ أشواطاً إضافية ومطولة من المباحثات، فيما تتجه أنظار السوداني إلى الحفاظ على أمن وحدود العراق من ناحية الإرهاب والعمليات العسكرية التركية والسعي الحثيث إلى تحقيق الاستقرار وضبط الحدود من المخاطر عبر تلك الوساطة”
خليل عبد الحميد-سورية
قدم للمقال محمد دجاني-القدس