خططُ ترامب لتحقيق شعار “أمريكا أولاً” ربما كانت لتحقق نجاحاً لو أنها استندت إلى رؤيةٍ مستقبلية تتلاءم مع عالمِ ما بعد 7 أكتوبر، حيث تغيّرت قواعد اللعبة. هذا التاريخ كشف الأقنعة، ليس فقط عن الحكومات، بل أيضاً عن الأنظمة الاقتصادية التي باتت مفضوحة. فأصبحت دول مثل الصين تعبر أكثر علنية بأفكارها:  تجارتنا بالدولار تدعم المجمع الصناعي العسكري الذي يحاول تطويقنا عسكرياً وتقسيمنا إلى 20 دولة وتقسيم روسيا إلى 40 دولة، تماماً كما فعل في “الشرق الأوسط”. لماذا يجب أن ننتظر حدوث ذلك بينما يمكننا الانتقال إلى إزالة هيمنة الدولار الآن؟

مثلما تم فرض الصمت عن الحق و الحرية بتهمة اللا-سامية كذلك تم فرض صمت عالمي على أي انتقادٍ للنظام الرأسمالي، حيث صُوِّرت مفاهيم مثل “الإيجار الاقتصادي” والأنظمة الاستغلالية كعقباتٍ أمام الابتكار والتقدم. ولكنَّ الواقع أن هذه الأنظمة أوقعت 80% من سكان العالم في فخِّ الجهل الاقتصادي.  

اليوم، لم تعد الحقائق مكشوفة للمطّلعين فحسب بل ظهر النموذج الاقتصادي الذي روجت له الولايات المتحدة على حقيقته البشعة، وهي أنه أداةٌ لاستعباد العالم عبر مؤسساتٍ مفترسة مثل صندوق النقد الدولي. ومع فشل خطط ترامب الاقتصادية، ستتساقط هذه الأنظمة أكثر فأكثر.
وإن فشل ترامب لن يكشف فقط عن ضعف استراتيجيته، بل سيفضح النظام الاقتصادي الذي تستخدمه الولايات المتحدة لابتزاز العالم وفرض هيمنتها الاقتصادية.  

فرض رسوم جمركية على الصين وتشديد العقوبات على إيران، من المفترض أن يدعم الاقتصاد الأمريكي، ولكنه سينتج عواقب عكسية كما أوضح الباحث الاقتصادي مايكل هدسون. ومن أبرز هذه العواقب:  

  1. ارتفاع تكاليف المعيشة:  
    الرسوم الجمركية تُفرض كضرائب على الواردات، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار داخل الولايات المتحدة، وبالتالي تقليل القوة الشرائية للمستهلكين وإبطاء النمو الاقتصادي.  
  2. تعطل سلاسل التوريد:  
    يعتمد الاقتصاد الحديث على سلاسل توريد عالمية معقدة. وفرض الرسوم الجمركية يعطل هذه السلاسل، مما يرفع التكاليف ويؤخر الإنتاج.  
  3. الإجراءات الانتقامية:  
    الدول المستهدفة، مثل الصين، قد ترد بفرض رسوم على المنتجات الأمريكية، مما يضرُّ بالقطاعات الزراعية والصناعية الأمريكية عبر تقليل تنافسيتها في الأسواق الدولية.  
  4. عدم معالجة العجز التجاري:  
    الرسوم الجمركية قد لا تقلل العجز التجاري، بل تنقله إلى دول أخرى دون معالجة جذور المشكلة الاقتصادية.  
  5. زيادة خطر الحروب التجارية: 
    تصعيد النزاعات التجارية قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.    

في هذا السياق، تحدث دينغ ييفان، مستشار كبير في بكين، و حذَّر من أن الرسوم الجمركية المقترحة بنسبة 60% على الواردات الصينية قد تضرُّ بشدة بالاقتصاد الأمريكي، خصوصاً قطاع الدفاع الذي يعتمد بشكل كبير على الأجزاء الصينية منخفضة التكلفة.    

أما العقوبات على إيران فتاريخياً أدت إلى تقليل توافر النفط الإيراني في الأسواق، مما رفع أسعار الطاقة عالمياً. كما أدت هذه العقوبات إلى تعزيز العلاقات الاقتصاديه بين إيران  والصين، حيث تجاوزت الدولتان النظام المالي المعتمد على الدولار الأمريكي من خلال استخدام اليوان في التبادلات التجارية.    

الجمع بين الرسوم الجمركية على الصين وتشديد العقوبات على إيران سيدفع الدولتين لتعزيز تحالفهما أكثر وتسريع إزالة الهيمنة الاقتصادية للدولار، ضمن إطار تكتلات مثل البريكس.  

على سبيل المثال، مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013 وتنفذها منذ 2015 تهدف إلى ربط آسيا، أوروبا، وأفريقيا عبر شبكة تجارية عالمية.
إيران، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، تعدّ عنصراً محورياً في هذه المبادرة.    

فرض رسوم إضافية على الصين وعقوبات أكبر على إيران قد يدفع الصين إلى تسريع تنفيذ مشاريع مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) لضمان طرق تجارة بديلة بعيداً عن التأثيرات الأمريكية، مما يغير ديناميكيات التجارة الإقليمية ويدفع نحو عالم متعدد الأقطاب بوتيرة أسرع.  

رندة سيكسيك-أستراليا