عندما اصطكت أسنان الجبناء وعلا صراخهم خوفاً، قال لهم أمل دنقل: “لا تصالحوا!”، ولكنهم فعلوا! صافحوا ويَدُهم الدنيا، ثم رحلوا حاملين في أعناقهم إرثاً ثقيلاً من دماء آلاف الأبرياء الذين قُتلوا بيدٍ عَلت أيديهم.

وكما رحلوا، رحل أمل دنقل، لكنه ترك وصيته محفورة في أفئدة ملايين الرجال: “لا تصالح! ..ولو منحوك الذهب”..

والعميد أمين حطيط كان واحداً من هؤلاء الرجال.

هو الرجل الأنيق المتواضع ذو الابتسامة الجميلة والوجه السَمِح، رجل الثوابت والمواقف الذي لم يرضخ لضغط، ولم يفرّط بحق. صوته المقاوم كان صدّاحاً في كل الساحات، من فلسطين، إلى لبنان، إلى سورية، والعراق، واليمن..

واليوم نخسر برحيله عقلاً مبدعاً وصوتاً شجاعاً، ظل متأهباً ومستعداً للدفاع عن الحق حتى آخر نفس.

بدأت رحلة العميد أمين حطيط في المجال العسكري، حيث انضم إلى الجيش اللبناني وتدرّج في الرتب حتى وصل إلى رتبة عميد ركن. خلال خدمته في الجيش، تولى رئاسة اللجنة العسكرية اللبنانية المسؤولة عن التحقق من الانسحاب الإسرائيلي، والتي أجبرت العدو على الانسحاب من مساحات كبيرة تزيد على 18 مليون متر مربع، كان ينوي الاستيلاء عليها.

بعد تقاعده من الجيش، لم يتخلَّ العميد حطيط عن دوره النضالي، بل انتقل من ساحة القتال إلى ساحة الإعلام والتحليل السياسي، فبدأ يكتب في الصحف والمواقع الإخبارية، ويظهر في البرامج الحوارية كمحلل سياسي وعسكري. استخدم العميد حطيط معرفته العسكرية العميقة وخبرته الميدانية لتقديم تحليلات دقيقة وموضوعية لمختلف الأحداث السياسية والعسكرية، وكان دائماً يسعى لإيضاح الحقائق وتوجيه الناس نحو الفهم الصحيح لمختلف قضايا المنطقة والعالم. آمن العميد حطيط بأن الكلمة هي سلاحٌ لا يقل قوة عن البندقية، وأن الوعي هو خط الدفاع الأول عن الوطن، فلعب دوراً بارزاً في “حرب الوعي” من خلال مقالاته وتحليلاته التي استهدفت تفنيد الأكاذيب وكشف الحقائق.

بوفاة أمين حطيط، يخسر لبنان ومعه العالمان العربي والإسلامي شخصيةً مقاومةً فذة تركت وراءها إرثاً غنياً من الكتابات والتحليلات التي ستظل مرجعاً للباحثين والمهتمين بالشؤون العسكرية والسياسية، ولكن صوته سيبقى حياً في ذاكرة من عرفوه وتعلموا منه، وسيظل اسمه مرتبطاً بالمقاومة التي أحبها ومات مدافعاً عنها.

نودعه اليوم رجلاً من رجال المقاومة الشجعان، لم يُلقِ السلاح حتى لحظة رحيله، بل ظل محارباً بالكلمة حتى آخر رمق، فتجسدت فيه صفات الجندي المجاهد، الذي لم يعرف الراحة أو الاستسلام.

ونؤكد اليوم أن بصماته ستظل حية في قلوبنا وعقولنا، وأن إرثه سيبقى منارة تضيء الطريق للأجيال القادمة.

محمد إبراهيم_ 🇷🇺 روسيا