تحدث الأستاذ الكبير ناصر قنديل في واحدةٍ من إطلالاته عن القيم الأخلاقية التي يجب التحلّي بها عند مَن ينتمي إلى المقاومة، واختصرها في ثلاث كلمات يجب الوقوف عندها وتأمُّلها، هي الصبر والصمود والثقة.
إن معركتنا اليوم لم تبدأ في السابع من أكتوبر، وإنما كان السابع هو الانطلاقة للذهاب إلى آخر الجولات التي بدأت منذ أول يوم جاء فيه الاحتلال عام ١٩٤٨م. ومنذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا تجوهرت وصقلت المقاومة نفسها حتى استطاعت وحلفاءها أن يقوموا بهذه الانطلاقة المباركة.
لم تكن عملية الصقل سهلة، فكم من الخبرة والحيلة والمحاولات التي باءت بالفشل ، وكم من الأنفس التي دفعت نفسها والأرواح التي حزنت وسُجنت وحوصرت، وكم من الدماء التي سالت والأنفس التي ظلمت وعُذبت وهُجرت ودفعت إلى أقاصي الأرض أو في مخيمات رديئة، وتحت هذا كله كان هناك ينبوعٌ من الصبر يفيض في النفوس، منبعه الإيمان بأن فسحةً من النور قريبة. ذهب جيل وجاء جيل و لايزال ينبوع الصبر يفيض.
واليوم وبعد أن شرّع أبطال المقاومة المواجهة لحسم المصير، يحضر الصبر كضرورة لا غنىً عنها في مواجهة العدو، لأنها المواجهة الأشد، ولأن الخطة طويلة الأمد، ولأن للخطة مراحل تحتاج إلى أعلى مستوىً من الانضباط، ولأن العدو سيكون بأعلى مستوىً من الشراسة. فالصبر اليوم هو ألا نفقد الأمل، ذات الأمل الذي عشناه في طفولتنا وحتى كبرنا، داخل الأرض المقدسة وفي المهجر.
أما الصمود، فهو الصبر بحزمٍ وتحدٍّ، هو المواجهة على الرغم من الحمل الثقيل على صدورنا ونفوسنا، رغم بشاعة هذا الكيان ومحاولاته لكسرنا، هو التمسك والتيقن بصوابية الطريق التي خضناها، طريقِ تحقيق وجودنا الأبدي على أرض فلسطين وبلاد الشام. فالصمود هو الترجمة العملية للصبر.
كيف نصبر؟ وكيف نصمد؟
لا بد لنا في طريقنا هذه من شيء يعيننا على الصبر والصمود، فلا بدَّ من أجوبة ومن مناراتٍ على الطريق. ومن هو أكثر جدارة بتقديم هذه الأجوبة والإضاءات على الطريق إلا من سلكها حقاً وخاضها بيديه وقدميه ولحمه ودمه وروحه؟ من أجدر من أولئك الذين هم في الصفوف الأولى؟ ومن أجدر من أولئك الصديقين الذين بذلوا الروح قادةً وجنوداً على طريق القدس؟
فالصبر والصمود والثقة معاً، هم التجمهر والتحلُّق والانتماء إلى هذا الطريق الذي خضناه وحول أولئك الذين خاضوه متجاوزين بذلك آراءنا ومشاعرنا التي تُضِلُّنا أحياناً لأننا لسنا في أول الصف.
الصبر والصمود والثقة معاً، هم وصفة الالتحام والحلول بأرواح الشهداء والمقاومين الذين يكتبون مصيرنا إلى ألف عامٍ قادمة.
الصبر والصمود والثقة معاً، هم دواء الجغرافيا الظالمة التي أبعدتنا عن أن نكون هناك معهم نسطّر مصيرنا ونترجم أحقية قضيتنا العادلة الساطعة كالشمس.
الصبر والصمود والثقة معاً، هم الصدر الدافئ الوفي لمقاومينا على الثغور الذين يحسنون بنا ظناً أنهم تركوا خلفهم من يذب عنهم تخرصات العدو وأكاذيبه وشبهاته.
الصبر والصمود والثقة معاً، هم الإجابة على الكثير من الأسئلة لدينا التي خلقتها المسافة وخلقتها سرّية الخطة، ولا يملك الجواب إلا من هو في الصف الأول ويرى المشهد كما هو.
آدم السرطاوي – كندا