كلُّ شخصٍ حرٌّ بنفسِه وتصرُّفاتِه وأقوالِهِ، و على ذلك، فتقعُ أيضاً عليه مسؤوليةُ أفعالِه بما في ذلك تفوُّهاته في الحاضرِ والمستقبلِ. الأمرُ يعودُ إليكم والمسؤوليَّةُ ستقعُ عليكم ولن يرحمَ التاريخُ أحداً ‼️

ألم تشاهدوا وتستمعوا إلى السفَّاحِ نتنياهو يُنكِرُ جريمتَي كارثة العِرقبادة (الإبادةُ الجماعيَّة والتطهيرُ العِرقيّ) في قطاع غزة ؟؟

ولهذا نقولُ أنَّ أيَّ شخصٍ _عربيٌّ على وجهِ التحديدِ_ يستعملُ مصطلحَ “حرب” لوصفِ جريمتَي كارثة العِرقبادة‬⁩ (الإبادة الجماعيَّة والتطهيرُ العرقيّ) في قطاع غزة  إنِّما يساهمُ في خَلقِ سرديَّةٍ ضدَّ مصلحةِ الشّعبِ الفلسطينيِّ كما أنَّهم _عن غيرِ قصدٍ_ يساهمون في محاولةٍ لاحقةٍ  لتبرئة نتنياهو و الاحتلال الإسرائيلي من هاتين الجريمتين. ‼️

مفيدٌ أنَّ نسبةَ من يستعملُ مصطلحَ “حرب” على الجرائمِ التي يقترفُها نتنياهو قد انحدرَت كثيراً في صيفِ 2024. كما ندعو وذلك استناداً للتعريفِ العلميِّ للحربِ  على عدمِ استعمالِ مصطلحِ “حرب” على الإطلاقِ وذلك لأنَّ الاحتلال الإسرائيل‬ي ، ورغم تنوُّعِ طرقِ الذَّبحِ والقتلِ، فهو يقترفُ جريمتين أساسيَّتين هما :الإبادةُ الجماعيَّةُ والتطهيرُ العِرقيُّ. و هما جريمتان مركَّبتان اختصرناهما في مصطلحِ #العِرقبادة. ولذلك على سبيلِ المثالِ فقد رفعَت دولةُ جنوبِ أفريقيا دعوى ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي في محكمةِ العدلِ الدوليَّة “ICJ”  لارتكابه  الإبادةَ الجماعيَّةَ (Genocide ) مع ذكرِ جريمةِ التطهيرِ العرقيِّ ولم تقدِّم دعوى ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي على “شنِّ حربٍ” على غزة ! تعريفُ الحربِ شيءٌ ، وتعريفُ الإبادةِ الجماعيَّةِ والتَّطهيرِ العرقيِّ شيءٌ آخرُ. لذلك نقولُ بأنَّ التداولَ بالمصطلحاتِ واختيارَها ليس ترفاً أو هوايةً أو عمليَّةً خاضعةً للإنشاءِ المزاجيِّ. نعرف أنَّ البعض يستعملُ مصطلح “حرب” عن : كسلٍ أو عادةٍ أو عدمِ معرفةٍ أو عدمِ تدقيقٍ ، ولكنَّنا نشدِّد على أنَّ حربَ المصطلحاتِ هي جزءٌ من مصيرِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ وحياتِه وحاضرِه ومستقبلِه، إنَّها مسؤوليةٌ أخلاقيَّةٌ ومهنيَّةٌ في غايةِ الأهميَّةِ. ‎

في محاولةٍ مدروسةٍ من الحركة الصهيونيَّةِ ومنذ 1948 وما قبلَ تسميةِ محرقةِ أوروبا ب الهولوكوست “Holokauston”وهي كلمةٌ يونانيَّة تعني حرقَ الأضاحي و تقديمها للآلهةِ ، تعمدُ الحركةُ الصهيونيَّةُ على  تسمّية جرائمِها بـ “الحرب”، وذلك لخداعِ الرأيِ العام ومحاولةِ الاستحواذِ على العقولِ لإيجادِ قاعدةٍ مناصرةٍ لروايتِهم المختلقَةِ، وتصويرِ نهبِهم لأرضنا وسلبِهم لتراثنا كصراع “شرعيٍّ” بين حقّين . ‎هكذا يتقبَّلُ العالمُ روايةَ مَن يسبقُ في كتابةِ التاريخِ لكي يتحوَّل النهبُ والقتلُ، وذلك بعد عمليّةِ التضليلِ الإعلاميِّ وضخِّ “أسطورةِ الحيادِ” وتحويلِها إلى وجهةِ نظرٍ وليس كقضيَّةِ حقٍّ عادلةٍ يجري فيها الصّراعُ بين القاتلِ والضحيّة أو  بين السارقِ والمنهوب.  

‎المهمّةُ الكبرى هي عدمُ استعمالِ مصطلحِ الحربِ في أيِّ مزيجٍ أو دمجٍ للكلماتِ .و الإرشادُ الثاني هو استعمال مصطلحي: الإبادةِ الجماعيَّة والتطهيرِ العِرقيِّ. ‎نشيرُ إلى أنه عندما اقترحَ الراحلُ الدكتور قسطنطين زريق مصطلحَ “النَّكبة” في كتابِه “معاني النَّكبة”، كتب في المقدِّمة: “لا أدّعي أنَّني في هذه الدراسةِ المقتضبةِ لمحنةِ العربِ في فلسطينَ، قد اخترعْتُ البارودَ (بلغة هذا العصرِ القنبلة الذريَّة) أو أنَّني اكتشفْتُ الدواءَ الشافيَ لعلّاتِنا جميعاً”،  لم يعرفْ الدكتورُ قسطنطين أنَّ عمليَّة تبنّي مصطلحِ “النّكبة” ستكونُ تدريجيَّةً وستدخلُ سجالاتٍ مريرةً تستمرُُ لعقودٍ ، وعبر العقودِ ستُشَنُّ حروبُ المصطلحاتِ والمفاهيمِ والتي بدورِها ستستمرُّ لعقودٍ إضافيّةٍ. ‎وعليه، وبما أنَّنا نرى أنَّ السرديَّةَ والمصطلحاتِ هما عمودٌ أساسيٌّ من حربِ النّفوذِ والقوةِ والوجودِ، فقد قرّرنا ألّا نتركَ الساحةَ لسرديَّتِهم الشرّيرةِ، واقترحْنا بعد البحثِ والدراسةِ استعمالَ مصطلحِ “العِرقبادة ” (العرق: من التطهيرِ العرقيِّ وهي جريمةٌ محدّدةٌ؛ ‎وإ / بادة، من “إبادة جماعية” وهي أكبرُ الجرائمِ وقد تداولت محكمة الجناياتِ الدوليةِ فيها بإسهابٍ عند استماعِها للطاقمِ الجنوبِ أفريقيّ في لاهاي “العِرقبادة ” بالإنكليزيّة: (CleansOcide Ethnic Cleansing & Genocide).

فهل أنتَ مع فلسطين أم مع الاحتلالِ الصّهيونيِّ لفلسطين؟

إذا كنتَ مع قطاعِ غزّة الفلسطينيِّ المُستنزَفِ ، الذي يقترفُ فيه الاحتلالُ تجفيفَ الدمِ والمياهِ، فلا يمكنك استخدامُ  رواية الاحتلال ومصطلحاته، عن قصدٍ أو من دون قصدٍ؛ عن جهلٍ أو شطحٍ ، و تسمّي بسهولةٍ (وبشحطة قلم) وأحياناً من دونِ تفكيرٍ، الجرائمَ المُقترفةَ من جانبِ نظامِ المجرمِ نتنياهو في قطاعِ غزّةَ بـ “الحرب”! فعلى سبيلِ المثالِ يسمي  نتنياهو جرائمَه بالحرب (للدفاع عن النفس )… وهذا ادّعاءٌ مسموحٌ بطرحِه (دون النظر إلى النتائجِ) بينما اتّهامه باقترافِ الإبادةِ الجماعيَّة والتطهيرِ العرقيِّ (تركيب #العِرقبادة) لا يمنحُهُ حيِّزاً واسعاً للتهرُّبِ من جرائمِها وذلك لأنَّ الإبادةَ هي جريمةُ الجرائمِ، “أمُّ الجرائم”! Genocide الحربُ شيء والإبادة الجماعيَّة جريمة  بحدِّ ذاتها.

‎د مكرم خوري مخول أستاذ الإعلام السياسي والعلاقات الدولية جامعة كامبريدج- 🇬🇧 بريطانيا