فوجئ بنيامين نتنياهو وأركان حكومته وجيشه أن المقاتل الذي اشتبك مع قواتهم في رفح وواجه الدبابات وطائرة مسيّرة وجنود الاحتلال واستُشهد خلال الاشتباك، كان القائد الذي أمضوا سنة يفتشون عنه بلا جدوى، وصنعوا الروايات الكاذبة عن احتمائه في نفق محاطاً بأسراهم دروعاً بشريّة، ليفاجئهم مقاتلاً ثم شهيداً يحمل بندقيته ويطلق النار في ميدان القتال أسوة برفاقه المقاومين، كواحد منهم بلا امتيازات القادة التي يعيشها قادة الكيان.
يحيى السنوار شهيداً هو الخبر وقد حرم نتنياهو وقادة الكيان السياسيين والعسكريين من الاحتفال بإنجاز استخباريّ في الوصول إليهم، فقد وصل هو إليهم يقاتلهم حتى الرمق الأخير. وها هو صانع الطوفان الذي غيّر وجه المنطقة والعالم، وأسقط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر بهجوم الساعات الأولى من يوم السابع من أكتوبر العام الماضي، يحيي سنوية طوفانه في الميدان مقاوماً يحمل بندقيته، ويترك خلفه قضية عادت إليها الحياة واستعادت وهج الحضور، وما عادت ممكنة إعادتها الى القمقم والتفكير بخرائط منطقة تستقرّ على جثتها ودفنها، ووراءه قضيّة تفاوض عالق يزداد تعقيداً حول تبادل الأسرى بغيابه، وهو الحائز كقائد للمقاومة وصانع للطوفان ورئيس للمكتب السياسي لحركة حماس في آن واحد، على ثقة المقاومين وتفويضهم لإنجاز الاتفاق المناسب، بينما يترك الحرب التي يخوضها المقاومون ببسالة وشجاعة وتخطيط ومهارة إلى المزيد من التصعيد مع ظهور مشروع استئصالي ينتظر الفلسطينيين في غزة وغيرها، وعقليّة إبادة عنصريّة تسيطر على سلوك الاحتلال، حيث المقاومة وصفة الحياة الوحيدة.
السنوار شهيداً يتحوّل وهو يحمل بندقيته إلى ايقونة فلسطينية وعربية لنموذج القادة الذين يحقق النصر لشعبهم وقضيتهم، وهو الآتي من الأسر إلى الميدان فالشهادة، وقد حوّل أسره مدرسة لفهم الكيان ومعرفة كيفيّة فك شيفرة فهمه، كما حوّل قيادته لحماس في غزة منصة للإعداد لنقطة تحوّل قادها بنفسه وخطط لها ووفر لها المناخات المناسبة في حركة حماس وقوات القسام وغزة وصولاً إلى التحالفات وإعادة العافية لعلاقات حماس بقوى محور المقاومة ودوله، وفي المقدّمة نظرته المميّزة نحو سورية، وهو يترك كل ما بناه عهدة بين أيدي رفاق دربه في قوات القسام الذين أحبّهم ووثق بهم وأحبّوه ووثقوا به، ولهم سوف تكون الكلمة الفصل في مستقبل المواجهة التي افتتحها ولن تغلق إلا بنصر أكيد ينتظر مَن يتولى بعده القيادة الصعبة، وقد وضع السنوار للقائد معايير تصعب تلبيتها على غير المقاومين، ونقطة البداية في كل بحث لاحق عند قوات القسام.
جريدة البناء