هذه الضربة الإيرانية الجديدة الهائلة شكلت نقطة تحولٍ نوعي في المعركة ، فَرضته إيران بيدٍ قوية ثابتة ، واضعة معادلات لم يسبق أن شهدها العدو بهذا الحزم مفادها أن محور المقاومة هو من يرسم خارطة التصادمات ، و هو من يضع قواعد الردع ، و لن تستطيعوا بغطرستكم و اعتداءاتكم و إجرامكم أن تزيحوا المعركة عن نصابها الصحيح الذي حدده المحور و بنى عليه ، أو أن تعيدوا معادلة الردع إلى أيديكم اللعينة ..
هذا الرد و بعد ثلاثة أيام من ارتقاء سيد الشهداء سماحة اليقين السيد حسن نصرالله شهيداً على طريق القدس ، له دلالات و رسائل كثيرة أدت إلى تحقيق انزياحات و تحولات ليس على المستوى الإقليمي في الصراع مع الصهيوني الوكيل “إسرائيل” فقط ، و إنما أيضاً على المستوى الدولي في الصراع مع الصهيوني الأصيل “الأميركي” . و إليكم نتائج و دروس هذا الرد الحازم … أعادت الضربة الإيرانية تعريف الخطوط الحمراء في الحرب الباردة بين إيران و الكيان الصهيوني و التي استمرت 45 عاماً ، إذ إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بعد الثورة الإسلامية المباركة ، تخوض حروباً غير مباشرة مع الكيان اللقيط وفق قواعد و خطوط حمراء تمت إعادة تعريف مفرداتها بعد العملية الإيرانية . ما فعلته إيران هو أنها قلبت المعادلة بشكلٍ جذري ، فسابقاً كانت الخطوط الحمراء تقضي بمنع أي جهة من الهجوم على الكيان في الأراضي التي يحتلها في معادلةٍ رسمها لنفسه من خلال التهويل بالردود القوية و العنيفة على أي هجومٍ من هذا النوع ، أما الآن فالأمورُ اختلفت و الموازين انقلبت ، وطهران اليوم رسمت لنفسها بأيدٍ مباركةٍ قويةٍ خطوطاً حمراءَ جديدةً تقول و بشكل واضح و حازم إنَّ أي اعتداءٍ على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو أي اغتيال لشخصيات إيرانية أو شخصيات لها ارتباطات مع إيران، سيُقابل بردِّ عنيفٍ و قاس ٍ ، فأصبحت معادلة الردع راجحةً إلى الكفة الإيرانية ، و ذلك من نتاج عملية “الوعد الصادق 2” المباركة ، التي أكّدت و رسّخت ما مهّدَت له عملية “الوعد الصادق” في منتصف نيسان الماضي .هذا من ناحية الردع مع العدو الصهيوني الوكيل .و من ناحية أخرى ، كشف الهجوم الإيراني محدودية الردع الأميركي ، فبالنظر إلى التهويل الذي تروِّج له الولايات المتحدة الأميركية بامتلاكها أعتى الأسلحة و أقوى الجيوش ، فمن المنطقي أن تكون هذه القوة رادعة لأي جهة في خوض المعارك مباشرة معها أو حتى مع ربيبتها “إسرائيل” ، لكننا اليوم نرى بأمِّ الأعين كيف يذلُّ محور المقاومة حلفَ العدو و على رأسه أميركا على جميع الجبهات ، و لعلَّ الجبهة اليمنية خيرُ مثالٍ على ذلك ، في ظلِّ العجزٍ الأميركي و الغربي عن إنقاذ الكيان أو حتى إنقاذ الهيبة و الموقف الأميركي ، و هذا ما أكدته الضربة الإيرانية في عملية “الوعد الصادق 2” ، إذ فضحت صورة الردع الأميركي المشوّهة ، خاصة بعد تصريحات المسؤولين بفي طهران بعد العملية و التي مفادها أنَّ الرد سيكون قاسياً جداً و عنيفاً جداً في حال ارتكاب العدو أو أي جهة تدعم العدو حماقة بالهجوم على إيران ،أي استطاعت طهران فرض معادلة النار بالنار في حربها و محور المقاومة ضد حلف العدو. من ناحية أخرى تمكنت طهران من اختبار قدراتها العسكرية بشكل جدي ، إذ استخدمت في هجومها صورايخ باليستية و فرط صوتية تحمل رؤوساً عنقودية ، نجحت في إصابة أهدافها بنسبة 90 بالمئة ، و هذا ينبي بإنجازٍ عملياتيٍّ و تكتيكيٍّ تمثَّلَ في نجاح الصواريخ التي تم استخدامها في اختبار الدقة و السرعة و الفاعلية يقابله إخفاقٌ و فشلٌ استخباراتيٌّ جديدٌ للعدو ،يضاف له فشلُ جمبعِ منظوماتِ الدفاع الجوي و الاعتراض الجوي “الإسرائيلية” و غيرها التابعة للقوات الأمريكية و الدول الغربية إضافة إلى مساعدة بعض الأنظمة المستعربة في التصدي للهجمات الصاروخية الإيرانية من أنظمة آرو 2 ، و آرو 3 ، و مقلاع داوود ، و الباتريوت، والقبة الحديدية ، و منظومات البوارج الحربية ساعر و غيرها ..جميعها سجلَ فشلاً ذريعاً أمام صواريخ الثأر الإيرانية . و هذا اختبار ناجح للقدرات العسكرية الإيرانية التي أظهرت جزءاً بسيطاً مما لديها . “الوعد الصادق 2 ” أخرس مناوئي الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث إنه في الفترة الأخيرة ازدادت وتيرة الأصوات التي تنادي ، “أين إيران “، و توجهت إليها أصابع الاتهام في أنها تخلت عن حزب الله و عن محور المقاومة و اتجهت إلى المصالحة …
لكنَّ هذه الضربة بهذه القوة و الفاعلية و في هذا التوقيت هدمَت نشوة نتنياهو و كيانه ، و أخرست جميع المناوئين ، و أكدت أن طهران تعتنق فكرة المقاومة عقيدة راسخة ثابتة لا تبدِّلُ فيها تبديلاً ..
إن الجمهورية الإيرانية باتت تسير خطوات ثابتة نحو غدوّها كقطب عالميِّ قويِّ في العالم الجديد متعدد الأقطاب ، و هذا ما يجعل تحسين العلاقات معها أمراً في صالح أي دولة و خاصة الدول العربية ، و التي لاتزال تنضوي تحت العباءة الأميركية ، إذ تشكل العلاقات الجيدة مع طهران سبيلاً للخروج التدريجي من تحت تلك العباءة ..
تعتبر العملية الإيرانية خطوة كبيرة و مهمة في الوصول إلى الهدف المنشود ، فقد زادت من هيبة و قوة الجمهورية في المنظور العالمي ، و خاصة في ظل فشل الأميركي حتى في إنقاذ ربيبته من صورايخ إيران الثائرة المنهمرة ، و هذا جميعه سيؤدي إلى سعي دول المنطقة ، و لا سيما دول الخليج ، إلى تحسين العلاقات السياسية و الدبلوماسية مع طهران في خطوة للتخلص من تلك العباءة الأميركية ، و هذا ما سيرسخ و يؤكد على دور إيران القوي و الفاعل في المنطقة . انتحار “إسرائيل” في خطوة الرد على الرد .ما إن استوعب حلف العدو الأحمق فشله الذريع ، حتى بدأت التصريحات تنهال من قادته في الكيان حول سيناريوهات الرد على الرد و بنوك الأهداف التي تم تحديدها من منشآت نفطية و بنى تحتية و حتى المنشآت النووية ..
قابل تلك التوعدات تصريحاتٍ إيرانية رادعة من رئاسة الأركان في التحذير من ارتكاب الحماقات “الإسرائيلية” بالرد على العملية المشروعة الإيرانية ، بقولها إنه على العدو توقع تدمير بناه التحتية بشكل واسع في حال ردِّه . كما حذرت رئاسة الأركان أي جهة داعمة للكيان من التدخل المباشر في الرد ، و في حال حدوث ذلك فإن مراكز هذه الجهات و مصالحها على مستوى المنطقة ، ستواجه بالتزامن ، بهجوم قوي من طهران .و هذا ينبي بالجاهزية الممتازة الإيرانية لكل السيناريوهات ، و بالطبع السيناريو النووي ليس خارج الحسابات ، فكما أصبحت معادلة النار بالنار هي المعادلة القائمة ، فإن ضرب المشآت النووية سيقابله تصعيد نووي إيراني ..
ختاماً إن العملية الإيرانية المشروعة وفق القوانين الدولية ، أعادت لمحور المقاومة توازن الرعب ، بعدما كان العدو منتشياً بجرائمه و اعتداءاته و اغتيالاته ، و التي كان آخرها اغتيال سماحة الأمين سيد الشهداء السيد حسن نصرالله ، الذي ستكون دماؤه وبالاً على الكيان و جميع داعميه ، و سيكون استشهاده دافعاً لأبنائه على إتمام العهد معه ، في إذلال العدو قبل زواله حتماً من أراضينا المحتلة و سيرى العدو كيف سيبقى رجال الله الذين يذلونه في الميدان مؤمنين أن روح السيد الشهيد لن تفارق قلوبهم و عقولهم حتى يصلي سماحته بنا و بهم و بجميع رجال الله المنتصرين إماماً في القدس الشريف بعد زوال المعتدين ، وعداً من السيد ، و كان وعد السيد مفعولاً …
و بيننا و بينكم الأيام و الليالي و الميدان .
محمد يونس 🇸🇾 سوريا 🇸🇾