قبل تقديرِ الموقف الأوَّلي حول وعدِ الأمس يجبُ علينا أن نُدركَ جيَّداً بأنَّ المصطلحاتِ السياسيةِ التي سادت لعقود لم يعُد بإمكانِها أن تحملَ معانيَ ما يجري في المنطق… الكلمات صارت أثواباً ضيَّقة.. وهذه المواجهة مع العدوُّ صارت تحتاجُ إلى تفصيلِ مكتبةٍ جديدةٍ من أثوابِ الكلمات كيما تكونَ على قياسِ الحدث… ولائقةً به!!
فالوعدُ الصادقُ 2 الذي يتضّحُ لنا أن ينحدرُ من عائلةٍ طويلةٍ عريضة قد لا تنتهي قبل رقمٍ يزيلُ الكيان، هو وعدٌ قلبَ الطاولةَ أمس وبعثرَ كلَّ أوراقِ حلف “تل أبيب”!
علينا ألاننسى أن هذا الحلفَ المعادي كان يشنُّ حروباً طاحنة يستبيحُ من خلالِها دولاً وشعوباً إذا اختار مزاجُه الاستكباريُّ ذلك.. أفغانستان والعراق مثالاً!.. جيًّدٌ أن نُذكِّرَ بذلك مع ما عشناهُ من مشاهد الإجرامِ ضدَّ غزة ولبنان لنعلم بأنَّ أربعمائة صاروخ بالستي أمطروا الكيانَ أمس هوَ إعلانُ حرب بكلِّ معنى الكلمة وليسَ رداً..!
لقد تجاوزَ المشهدُ بكثير أنَّه مزَّقَ للكيانِ وداعميه محاولتَهم استعادة صورة الرَّدع من خلالِ الجرائمِ الإرهابيةِ التي تجاوزت كلَّ حدٍّ مؤخراً.. بما في ذلك استهدافُ ساحةِ سيِّدِ الشهداء الأمين العام -كانَ وسيبقى-!
مع إعلانِ الغيابِ لسماحةِ اليقين.. علا عنوانٌ كلَّ العناوين:
انتهى زمانُ التسويات، هذه بوابةُ التفاوضِ قد اقتلعت، والطريقُ إلى المئذنة يساوي مقدارَ وضوءٍ لائق!
وفعلت إيرانُ أمس ما يؤكِّد أن هذا العنوان ترسُمُه معادلاتُ المحور.. يعلنُه الغيابُ الذي رسَّخَ اليقينَ بالسيِّدِ ونهجه أكثر ويوطِّدُ له أربعمائة صاروخ إيراني فيما تمَّ الإعلانُ عنه حتى الآن تم إمطارُ الكيان بهم!
يقول المشهد.. هذه دفعة على الحساب وإيران مستعدة لتجاوز فرضيةِ “لا سلم ولا حرب”، فالشرقُ الأوسط يرسمه أهلهُ لا محتلُّوه!
فمن يحدِّدُ لنفسِه قلبَ الكيان النابض هدفاً للصليةِ الأولى ماذا يمكن أن يفعل إذا تجرأ الكيانُ وداعموه على الرد؟!.. عن قاعدةِ نواتيم الجوية نتحدث!
وكذلك استهدفت طهران خطوط الدعم الجوي والوحدات المدرعة الصهيونية التي شاركت في حرب لبنان وغزة.
وأنزلتِ الكيانَ كلَّه إلى الملاجئ.. لكي تُتابعَ إنجازَ المهم في تدمير البنية العسكرية التي قامت بالجرائمِ الكبيرة إلى حدٍّ كبير!
في القُطبِ السياسيِ الخفيَّة علت على السطحِ مع كلِّ صاروخ إيرانيِّ أسئلةٌ عن اللقاءِ الذي جمعَ الروسيَّ بالإيراني قبل العمليةِ بساعات!
ويجبُ أن يتمَّ السؤال في الأذهان..هل كانَ المحورُ والحليفُ يتحضّران لخيارِ الحربِ في أبعدِ مدى؟!
وكيفَ ستستثمرُ روسيا في هذا الإنجازِ أمس؟!.
وبأي عيونٍ يحاولُ حلفُ العدوِّ فهمَ ما جرى ليحدِّدَ مساراتِه!
فليستِ العمليةُ التكنولوجية التي رافقت بالضرورة مسار أربعمائة صاروخ وصل تسعون بالمئة منهم إلى الأهداف ووثقت ذلك صورُ وفيديوهاتُ الأمس، ليست أقلَّ نجاحاً ولا أهمية من النجاحِ الماديِّ للعملية!
شيءٌ يعيدٌ إلى الأذهان وجوبَ مراجعةِ القدرة التكنولوجية بيننا وبينَ العدو.. فهل يخفي محورُالمقاومة مفاجآتٍ تكنولوجية قادرة ليس فقط على مواجهةِ حلفِ “تل أبيب” بل والتفوق عليه!
أخيراً..
لا بدَّ أن العدوَّ الذي يعيشُ حربَه الوجودية يلملمُ ادواتِ إجرامِه لكي يدافعَ عما حاولَ إنجازَه من صورةِ الكيان القوي الرادع من جهة، وليدافع عن وجودِه الباطل في المدى الاستراتيجي البعيد.. وهذا أمرٌ لابدَّ هو في عينِ القيادِة الإيرانية وفي حسابِ الإمامِ حفظَهُ الله.. وكوبٌ من الشاي في نهاية أمرٍ ما لا يعني انتهاءَ العمل.. بل استراحَة محاربٍ قائدٍ مطمئن.. يخطِّطُ لحروبِه المحقة بتقنية وفنية الخطوطِ العربية والفارسية.. ويظهرُ قليلاً ويخفي الكثير.. ولعلَّ الفيديو القصير الذي نُشرِ أمس لسماحتِه يشبه كثيراً واقعَ ما جرى .. ففي الظلِّ همهمةٌ ترعبُ العدوُّ تجعلُ الإمامَ القائد يبتسم.. فالقادمُ مازال خفياً .. وأكوابُ الشاي.. تُشربُ بهدوء بعد نجاحِ عمليةٍ أعدت بدقة.. وتعطي طاقةً كبيرة للاستمرار.. يعرفُ ذلك جيداً من يفضلونَ طقسَ الشاي في العمل!
رئيس التحرير
فاطمة جيرودية-دمشق