لم تعد نجاعة الاستهدافات اليمنية  للسفن و المواقع الإسرائيلية أمراً يحتاج إلى التوضيح والنقاش ، و لن أذهب للحديث عن ظواهر  صنيع اليمن ، فأقول : ها هو ميناء إيلات مفلس و ها هو الاقتصاد الإسرائيلي متردي و و ها هو  السلاح الفلاني لم يصل وووو ، رغم أهمية ما ظهر إلا أن الحرب ليست ضد إسرائيل بالحقيقة ، بل إنها ضد إسرائيل و الحلف الذي خلف إسرائيل ،  الحرب لإزالة إسرائيل و إزالة أي فكرة لقيام إسرائيل جديدة في  العالم ،  و اليمن جاءت لتضع النقاط على الحروف و تعري لنا  حلف  العدو ،  فيدخل في المعركة بشكل مباشر بدلاً من اختبائه وراء ستار إسرائيل ،و خلال ذلك ينم  تنفيذ عمليات استراتيجية موجعة جداً عليه .
لعل العملية الأكثر إيلاماً هي تلك التي ردت آيزنهاور خائبة من حيث أتت ، و لكن لأن المقاومة علمتنا دائماً أن ننظر نحو الأفق ، لم يرض ذلك اليمن المجيد إلا و فعل فعلته تلك ، فجاءت العملية اليمنية العظيمة بمسيرة يافا الجديدة ، لتذكر العالم أجمع أنها يافا و ليست تل أبيب ، و أما تل أبيب فهي ليست آمنة بعد الآن  …
و الآن السؤال المهم هنا : لماذا إسرائيل ردت مع أمريكا و بريطانيا على اليمن في  هذه العملية بالذات ، بينما حلفها كان يرد عنها في العمليات السابقة ، فاليمن لم تتوقف عن ضرب أهداف حيوية و استراتيجية مهمة في حيفا و في أم الرشراش “إيلات” ، و حتى على السفن الإسرائيلية ؟
هل كان الضرر من العملية اليمنية  بالغ الخطورة إلى درجة أن تفتح إسرائيل على نفسها نيران اليمن المرتقبة ؟
الأمر لا يتعلق بمدى ضرر الضربة ، و إنما هناك بعد سياسي مهم يستحق الحديث عنه .
العدو اليوم في مأزق وجودي كبير جداً  ، فهو يجد نفسه  في غزة أمام مقاومة باسلة  ، عجز عن هزيمتها حتى بالنقاط ، هناك رجال أشداء يواجهون جحافله بعزيمة و ثبات،  مقبلين غير مدبرين ، يفجرون آلياته و يقتلون جنوده المردوعين المترددين .
و أما في الشمال ، فهناك حزب تفوق على دول بقوته و تجهيزاته و تكتيكاته و عسكرته و استخباراته و حتى في إعلامه ، فأصبح الشمال الفلسطيني المحتل بحكم المحرر !!
و مرة أخرى جبهة أخرى ضاغطة و قوية ، يكاد قمرها أن يبزغ بدراً   لتكون جبهة نشطة لها كنهها و حساباتها الموجعة أيضاً للكيان  ،و أقصد جبهة الضفة ، علماً أنها كانت خارج حسابات العدو قبيل فترة .
العدو كان قبل الضربة اليمنية  أمام  حلين لا ثالث لهما   :
فإما استمرار الجرائم في غزة أو الخنوع و الرضوخ و القبول بالهزيمة فيها  ، و هذا ما يريده المحور و يعمل عليه .
هذا الطريق  سيأخذ العدو إلى طاولة المفاوضات مع حماس ، التي ستضع شروطها بحزم  و سيقبل بها  مرغماً ..
بالتالي ستكون  معادلة الردع الإسرائيلية معدومة ، و ستصبح إسرائيل مهزومة و مردوعة ، و استهدافها مباح للجميع ، فوجدت طريق الحرب الشاملة مع حزب الله استكمالاً لهذا  الخيار ، و راحت تهدد و تصرح و تتوعد ووو  ،  ولكن من ناحية أخرى العدو بعد  عملية الوعد الصادق الإيرانية ، بات مردوعاً خائفاً يعلم ماذا يحضّر له الحزب الذي ينتظره في الجنوب ..
فماذا سيفعل ؟؟ هل سيبقى يتلقى الهزائم في غزة ، أم سيذهب إلى تلقيها في جنوب لبنان ؟؟؟
و لما رأت المقاومة فظاعة جرائمه في غزة ، و لما لم تلتمس بوادر إيقافها ، اتخذ اليمن هذه الخطوة الجريئة ليضع نفسه في  تصعيد جديد مع العدو بشكل مباشر..
الآن يظن العدو  أنه سيهرب من حرب الشمال التي لا يطيق تبعاتها ، و لا يجد لها بديلاً ،و يعلم حتى أنه لن  يحقق الإنجاز فيها ، لعدة أسباب أهمها القرب الجغرافي  من جنوب لبنان في ظل وجود كم هائل من الصواريخ و المسيرات لدى حزب الله مما تم الكشف عنه أو مما سيتم الكشف عنه في حال بدء هكذا حرب ، و يتجه إلى حرب مع جبهة بعيدة نوعاً ما ، قد تكون الأضرار التي سيتلقاها منها محدودة بنظره و يمكن استيعابها ، فبادر الإسرائيلي بسذاجته المعتادة  بالرد على اليمن بنفسه…
غفل عن وحدة غرف التخطيط و التكتيك للمقاومة ،  فسقط في فخ ما أعدته له من خلال يمنها المجيد ، ولعل ما نشره الإعلام الحربي من مشاهد لتدريبات و مناورات ، ثم تهديد الحوثي للسعودية لقطع دابر فكرة لجوء العدو إلى الضغط على المملكة و اللجوء إلى ملاذ الحرب البديلة عن طريقها  إزاء رؤيته شكلاً مفاجئاً للتصعيد ،ثم إعلانه عن قيام المرحلة الخامسة من معركة الفتح الموعود و الجهاد المقدس ،خير دليل على ما ستشهده هذه الجبهة من مفاجآت كبيرة في عمليات كبيرة جدا بشكل مباشر مع الصهيوني و ربما بطرائق غير متوقعة أيضاً .
محمد يونس-سورية