قد ينصرف الكثير من المتابعين والمحللين بعد تجدد استهداف جسم المقاومة بضربة ثانية أقرب الى الموجة الارتدادية لهزة أول أمس في الحرب الالكترونية، لمناقشة طبيعة الرد الذي سوف تذهب اليه المقاومة، التي باتت معنية اليوم بعمل لا يحقق لها الرد المشروع على العدوان الاجرامي فقط، ولا يكون بحجم يوازي الأذى الذي لحق ببنية المقاومة وجسمها الشعبي فقط أيضا، بل يعيد ترميم صورة المهابة والرد التي استهدفت واصيبت في العمليات الاستخبارية الأخيرة، لتحل صورة الجرحى بالآلاف يدخلون المستشفيات بتفجيرات افقدت بعضهم عيونهم وآخرين اصابع ايديهم، مكان صورة انظروا اليها انها في عرض البحر تحترق، يوم ضربت المقاومة البارجة الاسرائيلية ساعر في حرب تموز 2006 بينما كان يعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ذلك على الهواء، و مناقشة إطار الرد هو ما سوف نعود إليه في النصف الثاني من هذا المقال، وسوف نحاول الإجابة في نصفه الأول عن سؤال آخر لا يقل أهمية، هو ماذا عن احتمالات الحرب الآن؟


تقول لنا نوعية استهدافات أجهزة الاتصالات وحجمها والأذى الذي الحقته ببنية المقاومة والبيئة الحاضنة، إنها أضخم إصابة جماعية يمكن إلحاقها بضربة واحدة بهذه البنية في أي حرب، ذلك أن قصف الطيران الحربي بلا ضوابط في حرب تموز أو في حرب غزة لم يحصد في يوم واحد ما حققته هذه الاستهدافات من إصابات موجعة، أخرجت مئات الأشخاص في مواقع مختلفة من ساحة الحرب، ونظرا لارتباط الاستهداف بعمل استخباري ضخم ومعقد وعلى مدى زمني غير قصير بين التخطيط والتنفيذ والإنجاز، ان الجهة المؤسساتية في الكيان التي تقف وراءها هي بصورة شبه مؤكدة، الوحدة 8200، بحكم الاختصاص المتصل بالأجهزة الالكترونية من جهة وبعمل استخباري متقن ودقيق من جهة مقابلة، وهي إذا كانت انتقام الوحدة من حزب الله للضربة التي استهدفتها وألحقت بها إصابات بالغة، إلا أن إجازة استخدام هذه الامكانات من الحكومة ورئيسها في هذا التوقيت تتيح مناقشة صلتها بالحرب الكبرى، وليس فقط نتائجها التكتيكية المبهرة من وجهة نظر تقنية والمخزية من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني والأخلاق البشرية، التي يؤمن بها حزب الله وتمنعه من الرد بالمثل باستهداف على طريقة القيام بنشر السموم في مجاري المياه طالما ان من سوف يصاب ويموت هم المستوطنون والجنود.


من طبيعة وحجم الضربات فهي من النوع المصمم لمواكبة قرار حرب أو لبدء حرب، ومن طبيعتها ايضا ان اتاحة التقاط الانفاس واحتواء الأذى وإعادة ترتيب الصفوف بعدها يستحيل أن يكون ضمن خطة من يقف وراء هذه الضربات، إذا كان قادرا على شن حرب، وهذا يعني أنه لو كان لدى قيادة الكيان الشعور بالقدرة على شن حرب ولو بعد حين لما أعطت الإذن بإحراق هذه الورقة في توقيت تكون نتائجها فقط إلحاق الأذى القابل للاحتواء، بل كانت أرجأت التوظيف للحظة قرار الحرب حيث يصبح نشر الفوضى واصابة صفوف المقاومة بالارتباك والضعف خلال الساعات الحاسمة والفاصلة لبدء الحرب أشد أهمية من مجرد إلحاق الأذى بذاته، حيث تحدث هذه الضربة ما لا يستطيع قصف الطائرات الحربية أحداثه، اما اذا كان قرار الحرب متاحا لدى قيادة الكيان ويحتاج التوقيت المناسب فإن التوقيت كان حكما هو لحظة تفجير هذه الأجهزة، وعدم شن الحرب في تلك اللحظة يعني أن قيادة الكيان تدرك أنها عاجزة عن شن الحرب، وأن سقف ما تسعى الى تحقيقه هو اقامة توازن معنوي بوجه حزب الله بعدما نجح خلال قرابة السنة من تمريغ صورة التفوق الاسرائيلي بالوحل، أملا بأن يتكفل ذلك في حال التوصل الى اتفاق منفصل مع لبنان او اتفاق شامل يبدأ من غزة، بتخفيف الخسائر المعنوية الضخمة التي لحقت بصورة الكيان وقدرة ردعه، والسعي لترجيح احتمال استبدالها بأرباح.
على مستوى رد المقاومة، نحن هنا أمام معادلة متشعبة ومتشابكة، لأن حزب الله لا يريد الذهاب الى الحرب وهو صادق في ذلك وجدي في ذلك، ومدرك لأهمية الحفاظ على العمل تحت هذا السقف، ولو اضطر الى الاقتراب من ملامسة هذا السقف، لأن الضربة أولا أصابت عددا هائلا من بنيته وبيئته والحقت بالآلاف ضررا بالغا وبعضه دائم غير قابل للشفاء، بحيث أن المئات سوف يرثون عطلا دائما في الحياة في عيونهم واطرافهم، وهذا الحجم من الخسارة بضربة واحدة لم يسبق حدوثه مع الحزب والمقاومة طيلة عقود مضت من الحروب، وعلى الرد أيضا ان يكون بحجم يوازي ذلك، والضربة ثانيا شملت جغرافيا ممتدة من الجنوب كله الى البقاع كله الى بيروت الى جبل لبنان الى دمشق وربما مناطق أخرى، وعلى الرد ان يضع في حسابه ذلك، والأهم أن الضربة التي انتهكت المعايير الدولية والقانون الإنساني الدولي، لا يفيد في اضعاف قيمتها الاعتبارية لصالح العدو الاكتفاء بقول ذلك، ووصفها بالجريمة الإرهابية لن يمنع تأثيرها على ميزان الهيبة والردع بين المقاومة والاحتلال، بعدما حافظت المقاومة على صورة المهابة كقوة متفوقة بالإتقان قادرة على الإبهار بمستوى أدائها، وجاءت هذه الضربة تحاول سرقة هذه الصفة منها لصالح مخابرات الكيان وتصويرها كقوة يمكن التلاعب بها، والرد يجب ان يكون قويا إلى حد يصعب على الكيان أن يرفع رأسه بعده، وقد قال بالأمس رئيس أركان جيش الاحتلال لقد أريناكم بعض ما عندنا، مستعيرا كلاما سابقا للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يقول فيه لقد رايتم بعض بأسنا، والمقاومة معنية باستراداد وضعية تتيح قول ذلك مجددا، “هذا بعض بأسنا فلا تجبرونا أن نريكم بأسنا كله”.


حزب الله معني برد لا يشعل الحرب الشاملة، لكنه رد قوي بحجم اتساع الضربة وأذاها وإصابة الصورة المعنوية التي رسمتها كلمات السيد نصرالله عن “اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت”، وانظروا اليها انها في عرض البحر تحترق”، واشعال جبهة إسناد على مدى يقارب السنة وفرض قواعد الاشتباك عليها تحت شعار ان غزة لن تهزم والمقاومة في لبنان تخوض الحرب تحت شعار ممنوع هزيمة غزة، وإذا كان هناك من يعتقد أن المقاومة تتيح بالتزامها بعدم فتح الطريق نحو الحرب الشاملة أن يتم التلاعب بها، فمن الواجب تذكير هذا البعض بسابقة جرت عام 2008 عندما أطلقت ميليشيات 14 آذار النار على مسيرة سلمية لأنصار 8 آذار وقتلت الشاب محمد المحمود، وخرج السيد نصرالله يقول لو قتلتم منا ألفا فلن نطلق عليكم النار، وبنت حكومة 14 آذار يومها برعاية عربية ودولية على هذا الالتزام قرار تفكيك شبكة اتصالات حزب الله والاعتقاد أن الحزب سوف يلتزم الصمت لأنه لا يريد التورط بالفتنة الأهلية، وكان ما عرف بـ أحداث 7 أيار 2008، بعدما قال السيد حسن نصرالله أن السلاح سوف يحمي السلاح، واليوم الردع سوف يحمي الردع، والمهابة سوف تحمي المهابة، هي لعبة على حافة الهاوية سوف يخرج منها حزب الله والمقاومة أقوى، ولو اضطرت المقاومة الى مجاراة الكيان ومخابراته باحراق أوراق ومفاجآت كانت قد خبأتها للحرب الشاملة وتكتفي بها ردا موضعيا مؤلما يعيد انتاج صورة الردع، ما دام الكيان قد فتح خزائن الحرب التي لن تقع، وقرر استخدام ما فيها من مفاجآت وخطط مخبأة لها بالمفرق، فلم لا تفعل المقاومة ذلك، ومع الاعتذار سلفا من الذين يزعجهم استخدام مفردة السابع من أيار اللبنانية، وليس هدفنا نكأ الجراح اطلاقا، لكن الاستعارة توجب القول اننا عشية سابع من ايار اقليمي يعيد ترسيم المعادلات التي أراد الكيان التلاعب بها.

الأستاذ ناصر قنديل – من زاوية نقاط على الحروف في جريدة البناء