في خضم الأحداث الراهنة في عالم تسوده الفوضى والصراع على الهيمنة، يتجلى الصراع الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي كصراع حضاري بين قوى الاستعمار التي تهدف إلى فرض السيطرة عبر وسائلها العسكرية والنفسية والاقتصادية، وقوى المقاومة المتجذرة في الأرض والشعب. ما يسمى بإسرائيل ليس مجرد كيان سياسي، بل هو تجسيد لمنظومة إمبريالية تسعى لتدمير إرادة الشعوب الحرة وتفتيت هويتها، بهدف إخضاع العالم للقوى الأحادية القطب.

منذ بداية الصراع، سعى كيان الاحتلال لإبادة الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني، محاولاً تدمير رموزه الثقافية والدينية ومحو ذاكرته التاريخية. هذا الصراع على الروح والمقدسات، وليس على الأرض فقط. والمقاومة الفلسطينية هي تعبير عن رفض كامل للنظام العالمي الذي يفرضه الغرب الجماعي، وتأكيد على حق الشعوب في الحفاظ على أرضها وهويتها، وليست مجرد رد فعل عفوي.

يمثل الكيان الصهيوني في سياق الصراع العالمي قوى الفوضى التي تسعى لتفكيك النظام الطبيعي للعالم، حيث ترتبط الشعوب بثقافتها وبأرضها. في هذا الصراع، يهدف الكيان الصهيوني إلى تفكيك الروابط الروحية التي تجمع الإنسان بأرضه وتاريخه، وليس فقط السيطرة على الجغرافيا. إنه قوة معادية لكل ما هو طبيعي وعضوي، يسعى لتحويل العالم إلى كيان مصطنع، خاضع لنظام عالمي تقوده واشنطن.

في ظل هذا التهديد الوجودي، تصبح المقاومة الفلسطينية نواة لمقاومة كونية أكبر ضد محاولات السيطرة على الشعوب وتفتيت الهوية. المقاومة هنا أصبحت ضرورة كونية وليست مجرد حق مشروع. فهي تمثل الصراع الأبدي بين قوى الحياة والحرية، وقوى الموت والاستبداد. إنها تأكيد على حق الشعوب في تقرير مصيرها والحفاظ على ارتباطها بأرضها بعيداً عن التدخلات الخارجية.

إن الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني هو جزء من صراع أكبر بين الحضارات، صراع بين قوى تسعى لتدمير العالم وقوى تسعى للحفاظ على النظام الطبيعي للعالم، وليس نزاعاً إقليمياً فقط. المقاومة الفلسطينية تخوض معركة من أجل الحفاظ على الكرامة الإنسانية والهوية، في مواجهة مشروع إمبريالي يهدف إلى إخضاع كل ما هو طبيعي ومقدس. ليست هذه معركة من أجل الأرض فقط، بل إن انتصار هذه المقاومة ضرورة حتمية لضمان مستقبل تتعايش فيه الشعوب بحرية وكرامة بعيداً عن هيمنة القوى الفوضوية التي يمثلها الكيان الصهيوني وداعموه.

خالد دراوشه – الأردن