مخططات الاختراق تحت ستار الفوضى: حضرموت نموذجًا وتحذير لصنعاء
أحلام الصوفي
ما جرى في الجنوب المحتل، وخصوصًا في حضرموت، من فوضى تمثّلت في سيطرة ما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” على المحافظة، وطرد قوات حزب الإصلاح، لم يكن حدثًا عابرًا أو مجرد تصفية حسابات محلية. بل هو جزء من مخطط كبير مرسوم بعناية، تقف خلفه قوى إقليمية ودولية مستفيدة من تراجع اللحمة الوطنية في الداخل، وتستهدف ضرب وحدة اليمن واستقراره.
هذا السيناريو يخدم أهدافًا استراتيجية تمتد إلى ما هو أبعد من السيطرة العسكرية على مواقع بعينها. فمن خلال استغلال حالة الطرد والتنازع بين أدوات العدوان، يسعى المخططون إلى تمهيد أرضية معلوماتية واستخباراتية لدخول أعمق في الجبهة الداخلية للمناطق المحررة. يظهر المطرودون، ومن معهم من عناصر نائمة، نوعًا من التقارب المصطنع مع صنعاء، مدّعين أنهم ضحايا الانتقالي والتحالف، وأنهم الأقرب للوطنية، مما قد يمنحهم نوعًا من الثقة المؤقتة في الوسط الداخلي ويخفف المتابعة الأمنية لهم.
الخطير أيضًا أن ما حدث في حضرموت اتسم بطابع عنصري انفصالي، الأمر الذي قد يُستغل سياسيًا وإعلاميًا لإعادة إحياء دعاوى الانفصال أو الاستقلال بغطاء وطني مزيف. في الوقت ذاته، فإن تصنيف الإدارة الأمريكية لما يُسمّى بـ”إخوان اليمن” ضمن قوائم الإرهاب لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقات أخرى؛ فهو لا يتسق مع المواقف الأمريكية تجاه جماعات مشابهة في سوريا أو تركيا. ما يشير إلى أن التصنيف خطوة تكتيكية تستهدف إعادة رسم خارطة النفوذ السياسي وتسهيل اختراقات على صعيد الداخل اليمني بدعوى مكافحة الإرهاب.
ولذلك، على قيادة صنعاء أن تتعامل مع هذه التطورات بعين فاحصة ويقظة قصوى، وأن لا تنجرّ خلف دعوات “الوحدة” المغلفة بالعاطفة، أو نداءات “إعادة الدماء الجنوبية” في سياق تحريك الشارع. فهذه الخطابات قد تُستخدم كغطاء لإدخال اختراقات استخباراتية، وتفخيخ الداخل بأفكار انفصالية ومناطقية، أو كأذرع إعلامية لتمرير مشاريع تهدف إلى تفتيت الهوية الوطنية وتقسيم البلاد.
في هذه المرحلة الدقيقة، المطلوب يقظة مزدوجة — أمنية وإعلامية. فالاختراق لا يقتصر على الساحة العسكرية وحدها، بل يمتد إلى الفكر والمجتمع:
أولًا: يجب مراقبة تحركات العناصر المطرودة وأي خلايا نائمة داخل المناطق المحررة بحذر شديد، وضبط أي محاولة للتنسيق مع جهات معادية.
ثانيًا: لا بد من توعية المجتمع من خطر الانجرار خلف شعارات براقة مثل “الوحدة” أو “العدالة الاجتماعية” أو “التحرر الوطني” حين تأتي من جهات تخدم مصالح الخارج وتستفيد من التفكك الداخلي.
ثالثًا: يجب التمسك بحقيقة أن المعركة اليوم ليست بين شمال وجنوب، بل بين وطن يريد التحرر والوقوف في وجه العدوان، وبين مشاريع تقسيم تخدم المحتل وتحاول تمزيق النسيج الوطني.
ما نحتاجه اليوم ليس مجرد ردّة فعل آنية، بل خطة وطنية شاملة — سياسية، أمنية، وثقافية — قادرة على منع إرهاب الهوية وتمزيق المجتمع. فالفوضى المصنوعة في حضرموت ليست حدثًا معزولًا، بل جزء من لوحة كبرى تُرسم بعناية لاختراق الداخل تحت ستار الخلاف بين أدوات العدوان.
إن المرحلة الراهنة تتطلب من الحكومة والسلطات والأجهزة المعنية أعلى درجات الوعي السياسي والأمني، وتوحيد الصف، وتعزيز الوعي العام، ومنع استغلال أي خطاب سياسي أو اجتماعي بغطاء خداع يؤثر في اللحمة الوطنية أو في وعي الشعب.
