ديسمبر ميزان فرزٍ بين الحق والباطل، الوفاء والخيانة. ففي قلب العاصفة، سقطت الأقنعة، وتجلّى وعد الله بأن ينصر الصادقين ويخيب مكر الخائنين.

سيظل ديسمبر 2017م محفورًا كأحد أكثر الشهور خطورة ووضوحًا في كشف النوايا والوجوه. فقد كانت فتنة ديسمبر مرحلة فارقة في مسار العدوان على اليمن، حين حاولت قوى داخلية أن تطعن الوطن من خاصرته، وتعيده إلى حضن من يشنون عليه الحرب منذ مارس 2015م.

بدأت شرارة الفتنة خلال فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حين تعرّض المحتفلون لمضايقات واعتداءات من عناصر محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي العام.

سقط جراء ذلك شهداء وجرحى، لكن القيادة الثورية بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) كانت حريصة على ضبط النفس، ووجّهت أنصار الله بعدم الانجرار إلى أي صدام داخلي.لكن الاعتداءات لم تتوقف، بل تصاعدت بشكل ممنهج، في محاولة لتهيئة الأجواء لانقلاب داخلي.

كانت القيادة الثورية تقدم التنازلات تلو الأخرى، حرصاً على وحدة الصف الوطني في مواجهة العدوان الخارجي، لكن دعاة الفتنة فسّروا ذلك على أنه ضعف، وظنوا أن الوقت قد حان للانقضاض على الحكم.

وفي 2 ديسمبر 2017م، خرج علي عبدالله صالح بخطاب علني دعا فيه إلى الاقتتال والحرب وما سماه “الانتفاضة” ضد أنصار الله، وأعلن استعداده لفتح صفحة جديدة مع تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات، في الوقت نفسه الذي كان يشن فيه التحالف هجوماً عنيفاً على اليمن.

فكان ذلك إعلانًا صريحًا للفتنة، ودعوة مباشرة للاقتتال الداخلي.اندلعت الاشتباكات في صنعاء، وتركزت في محيط جامع الصالح ودار الرئاسة، واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. كانت الخطة تقضي بإشعال العاصمة من الداخل، وإرباك الجبهات، تمهيداً لتسليم صنعاء لتحالف العدوان.

بالنسبة لي، كانت تلك الأيام كاشفة وصادمة، حيث كنت أظن أن علي عبدالله صالح قد تاب، وأنه أراد أن يطهّر نفسه بالوقوف إلى جانب شعبه في وجه العدوان. لكن فجأة، انقلب على كل مواقفه، ورمى بدماء اليمنيين، ومد يده لتحالف دمّر البلاد وقتل الشعب.انكشفت وجوه كثيرة كنا نظنها وطنية، فإذا بها خناجر مسمومة كانت تتربص بالوطن. ظنوا أن بإمكانهم خداع الشعب، وأنهم سيحققون ما عجز عنه التحالف عسكرياً عبر انقلاب داخلي.لكن الله لا يهدي كيد الخائنين.

في 4 ديسمبر 2017م، انتهت الفتنة بمقتل علي عبدالله صالح أثناء محاولته الفرار من صنعاء. كانت تلك اللحظة بمثابة إعلان سقوط أخطر مؤامرة داخلية منذ بدء العدوان في مارس 2015م.استُشهد خلال أيام الفتنة الثلاثة أكثر من 200 شخص، وتضررت أحياء سكنية، لكن اليمن بفضل الله نجا من الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة.في تلك الفترة، لن أنسى كلمات السيد عبدالملك الحوثي حين دعا الشعب لترديد: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

كانت كلمات أبكتني، لكنها كانت بوابة النصر. لم تمضِ ساعات حتى جاءت البشارات، وسقط رأس الفتنة، في مشهد تجلّت فيه قدرة الله وعدله، حين نُفذ الحكم الإلهي على يد من ذاقوا الظلم من الشخص نفسه.

وهنا تكشفت للجميع دروس عظيمة منها:  

▪️أن التنازلات من موقع القوة لا تعني الضعف، بل الحكمة.  أن الخائن لا يمكن أن يكون شريكًا في مشروع وطني.  

▪️أن الله يُمهل ولا يُهمل، وقد أراد أن يُظهر الحق بكلماته.  

▪️أن الشعب اليمني بات يعرف من يقف معه بصدق، ومن كان يتاجر بدمائه.

لقد خمدت الفتنة، وحُقن الدم اليمني، وتفادى الوطن الانزلاق إلى كابوس الحرب الأهلية.

كانت فتنة ديسمبر درسًا بليغًا في الصبر والثبات، وعبرة لكل من يظن أن الخيانة طريق للنجاة. لقد أراد الله أن يُميز الصف الوطني من الصف المتآمر، فالحمد لله أولاً وآخرًا.

أسماء الجرادي-اليمن