أسماء الجرادي

تُولد الشعوب عظماؤها من رحم المعاناة، وتشتد عزيمتها كلما اشتدت المحن. وكلما حاول الغزاة كسر إرادتها، تكبر أحلامها، ويظل التاريخ شاهدًا على أن الحرية والاستقلال يُنتزع بالدم والتضحيات.

في 30 نوفمبر من عام 1967، غادر آخر جندي بريطاني جنوب اليمن، بعد سنوات طويلة من النضال والكفاح والتضحيات الجِسام. خرج تحت أقدام الثوار الذين آمنوا بأن الأرض لا يحررها إلا أبناؤها، وأن الاستعمار مهما طال عمره، فهو إلى زوال.واليوم، بعد ثمانية وخمسين عامًا، نقف أمام مشهد يعيد نفسه، ولكن بأقنعة مختلفة ووجوه متعددة. الجنوب الذي تحرر بالأمس من الاستعمار البريطاني، يعيش اليوم تحت وطأة احتلال متعدد الجنسيات، تمارسه كل من السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا، تحت شعارات زائفة وذرائع واهية.

لقد نهبوا الأرض، وسرقوا الثروات، وأنشأوا قواعد عسكرية، وحوّلوا الجنوب إلى مستعمرة صهيونية بامتياز.انتشر الفقر، وعمّ الجوع والمرض، وتفشّى الانفلات الأمني، وغزت المخدرات بأنواعها أحياءها وشوارعها، وأصبح المواطن الجنوبي غريبًا في أرضه، محرومًا من خيراته، مستهدفًا في وعيه وكرامته.لم يكتفِ المحتل بذلك، بل سعى إلى زرع الفتنة بين أبناء الجنوب، لتشتيت صفوفهم وإشغالهم بصراعات داخلية، بينما يستمر في ترسيخ أقدامه، ويُحكم قبضته على الموانئ والجزر والمنافذ وجميع المواقع الهامة. والأسوأ من ذلك، أنه استغل الجوع والحاجة لتجنيد شباب الجنوب في معارك خاسرة، تُخاض دفاعًا عن مصالح المحتل، فأصبح المواطن الجنوبي يُزجّ به في جبهات القتال، ليحارب إخوانه في الشمال، ويقف ضد أبناء وطنه الذين يواجهون الاحتلال وقوى الاستكبار.خيانة وجرائم تُرتكب باسم الدعم والإعمار، بينما الحقيقة أن ما يجري هو تدمير ممنهج للنسيج الاجتماعي والوطن، وتجويع متعمّد، واستعباد لأبناء الجنوب.

وهنا رسالة لكل أبناء الجنوب أن يستفيقوا، وأن يدركوا حجم المؤامرة المُحاكة ضدهم. وعليهم أن يتأملوا ما فعله المحتل الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا، وما يفعله الأمريكي في العراق وأفغانستان، وما تفعله الإمارات والسعودية في الشعوب وفي أرضهم. يجب ألّا يكونوا وقودًا لحروب تخدم أعداء الوطن شمالًا وجنوبًا، وألّا يسمحوا بتحويل أرضهم إلى قواعد عسكرية صهيونية.

وتذكّروا أن أجدادنا قاتلوا، وضحّوا، واستُشهدوا ليمنحونا هذا اليوم المجيد: يوم الاستقلال، يوم الكرامة، ويوم الحرية.فلنتفكر ونرَ كيف أن أولئك المحتلين الجدد يسلمون تريليونات الدولارات لأمريكا وإسرائيل، وفي الوقت نفسه يستكثرون على اليمني الدخول إلى أرضهم إلا بكفيل ومبالغ باهظة. أكثر من عشرة أعوام وهم يستحلون أرض الجنوب، ولم يُنشئوا فيها مشروعًا خدميًا واحدًا، بل إن جميع المؤسسات تدمرت، والعملة تدهورت، وساءت حالة المواطن. فهم لم يتركوا لنا أرضنا لنعيش فيها بحرية واستقلال وننعم بخيراتها.

رسالتي الثانية لكل مواطن يمني هي أن يتنبه ويستعد لمواجهة المحتل وتحرير هذه الأرض الطيبة من دنسهم. وليدرك الجميع أن كل مشاكلنا، من أصغرها إلى أكبرها، كان ولا يزال سببها العملاء، ودول الحقد الأسود من السعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا والغرب بأكمله.

رسالتي الأخيرة للمحتل هي ألّا يهنأ كثيرًا، ولا يظن أننا سنترك له أرضنا يعيث فيها فسادًا دون مقاومة. فمهما طال بقاؤه، لن يدوم، وسينتفض الشعب ذات يوم، وتشتعل وتتفجر شرارات الغضب اليمني في وجهه. ولن يكون حينها هناك مجال للحوار أو المراوغة؛ حقوقنا لن نتركها، وسنحاسبهم على كل أذى اقترفوه بحق هذا الشعب والوطن.

الثلاثون من نوفمبر سيبقى ملهِمًا لنا ولأجيالنا القادمة. إنه اليوم الذي يجسد قوة الإرادة والإصرار على التحرر، وأن هذه الأرض لا تقبل المحتل، ولا تنحني للغزاة، وأن اليمن سيظل حرًّا أبيًّا كريمًا، مهما تكالبت عليه قوى الطغيان والعدوان.