الحزب السوري القومي الإجتماعي:
بيان عمدة الإذاعة في ذكرى التأسيس
ثلاثةٌ وتسعونَ عاماً على الإنجازِ الأعظم بعد تأسيس القضية القوميّةِ الإجتماعيّة
الإنجاز الذي أراده سعاده أن يكونَ المُعَبِّر الحقيقيّ عن مصالحِ الأمةِ وشعبها, والمُقرِّر الوحيد لمصيرِ الأمّةِ بإرادتها المُستَمَدّة مِن نُفوسِ أبنائِها بَما تختَزِنهُ مِن قِيَمٍ ومُثُلٍ عُليا ومَبادئ
إن تأسيسَ الحزبِ السوريِّ القوميِّ الإجتماعيِّ لم يكن حدثاً سياسياً مجرّداً, بل كان القرارَ المُعلن لخوضِ النهضةِ طريقاً للحياة وللخلاص من كُل أشكال الموتِ المُحيطة, ولعلَّ أصعَبَها هو الموت النّفسيّ والأخلاقيّ. فيقول سعاده:
“إنّ العقليّة الأخلاقيّة الجديدة التي نؤسّسُها بِمبادِئِنا هي أثمَنُ ما يُقَدّمهُ الحِزب السّوري القومي الإجتماعي للأُمّة, لِمَقاصِدِها ولأعمالِها ولِإتّجاهاتِها”.
اليوم وبعد ثلاثةٍ وتسعينَ عاماً على هذا الحدث العظيم الذي حالَ دونَ سقوطِ الأمةِ في هوّةِ الموتِ الأبدي, نجدُ أنَّ المخاطرَ ما زالت كما كانت, بَل أصبحت أكثرَ شراسةً وحداثةً وتحدّياً, وأنَّ الأمراض التي كانت قد سكنت جسدَ الأمةِ المُنهَك في مطلع القرن العشرين, أصبحت اليوم مُتملّكةً أكثر من جميع أعضائهِ وتعيثُ فيهِ ألماً وتعباً وعجزاً وتفتيت.
وعليهِ, فإنَّ وجوبَ التمسُّكِ بالدّواء في وجه الدّاء الفتّاكِ القاتلِ أصبحَ اليومَ أكثرُ إلحاحاً وحاجةً, ووجوبِ المضيّ في الخطةِ المعاكسةِ النظاميّةِ التي تهدفُ إلى استعادةِ الأمّةِ قوّتها وحيويّتها أصبحَ اليومَ قدرٌ حتميٌّ وسَبيلٌ وحيدٌ لِمَن يتمسّك بالحياة ويرفض أن يكون الموت مكاناً تحتَ الشّمس.
أيُّها السّوريّون القوميّون الإجتماعيّون
لقَد كانَ الزّعيمُ مُدرِكاً لخُطورَةِ المُواجهة وصُعوبَتِها, ومُدرِكٌ أيضاً لِسُهولَةِ المُساوَمة وتَوَفُّرها, لذلك كانت رسالتهُ الثانية عام 1947 من مغتربه القسري بمثابة توصيةٍ تُحاكي واقع اليوم, وفيها يقول:
“إنّ حزبكم قد افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية، المؤمنة المنظمة في أمتكم. فإن عهدكم هو عهد البطولة فلا تتخلوا عن طريق البطولة ولا تركنوا إلى طريق المساومة الغرَّارة”.
نُحيي ذكرى التأسيس هذا العام وأمتنا تمرُّ بإحدى أخطر المراحل في التاريخ الحديث , من فلسطين إلى الشّآم ولبنان إلى الأردن والعراق, تتغيّرُ الأدوات والظروف ويبقى جوهرُ الصراع الوجوديّ مع العدوّ الوجوديّ أصالةً أو مداورةً بأدواتهِ المتعددة.
ففي فلسطين يسعى الإحتلال إلى استكمال مخطّطه القديم الجديد بإحكام القبضةِ على كامل الأرض بعدَ أن سعى لإبادةِ شعبنا في غزّة إبادةً بربريّةً موصوفة بغطاءٍ أميريكيٍّ ودوليٍّ سافر ووقح, ولم تتوقّف آلاتِ قتلهِ عن التوغُّلِ في الضفّةِ الغربيّة لتوسيعِ الإستيطانِ والإستمرارِ في قضمِ الأراضي وهدمِ البيوت وملاحقة المقاومينَ وقَتلِ الآمِنين بالتواطؤ والتّعاون مع سُلطة “فلسطينيّة” ظرفيّةٍ خانعةٍ وعميلة للإحتلال.
وفي لُبنان, المشهَدُ يحملُ اليومَ وُجوهاً عديدةً للمعركةِ القديمةِ الجديدة, فبينَما تَخرُجُ ديدانِ “السّلام” والتطبيع مِن باطِنِ الأرضِ وتنتشِرُ في المجالسِ والمؤتمراتِ والإطلالات الإعلاميةِ والشاشاتِ والصُّحُفِ مُعتقِدَةً أنَّ موسِمَ الزَّمَن “الإسرائيلي” قد ابتدأ بعد الحرب الأخيرة, يزداد تمسُّك السّواد الأعظم من اللبنانيين ولا سيّما من أبناء الجنوب والبقاع بعوامل القوّة التي يمتلكونها وأولها سلاحُ المقاومة, خاصةً بعد أن تبيّن زيف الإتفاقات التي لا تُُلزِم المُحتَل ولا تثنيه أو تردعهُ عن إجرامه المُستمرّ بعد أكثر من عام على توقيع إتفاق وقف الأعمال العدائيّة وغياب النيّة الجديّة من الدول المعنية بتسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته, بل والمجاهرة من قبل أميركا بعدم إرادتها تمكين الجيش في حين يُطلب منه الإنتشار في كامل مساحة الجنوب والبقاع و”حصر السّلاح” وهي دعوة ظاهرها حقّ وباطنها باطلٌ يُرادُ منهُ وضعُ الجيش الوطني في مواجهة أهلهِ وشعبه, وهذا ما لم يحصل ولن يحصل.
ومع تبدُّل المشهد تبدُّلاً كُليّاً في الشّآم جرّاء سقوط النظّام وما رافقه من فوضى ودمار ومجازر وتهجيرٌ قسريّ واقتتالٌ عرقيٌّ ومذهبيّ, تُفرَضُ على شعبنا اليوم في الكيان الشّامي سياساتُ قهرٍ وتضييقٍ واعتقالاتٍ تمسُّ كرامة المُواطنين وحياتهم اليوميّة, بينما تتنازعُ القوى الإقليمية والدوليّة وتتقاسمُ النفوذ والموارد فوق أرضٍ أنهكها الإستبدادُ والإحتلالُ المُتعدّد الأوجُه والذي زادهُ اليوم دخول العدوّ اليهودي وسيطرته على مساحاتٍ واسعة من محافظات الجنوب وصولاً إلى مشارف العاصمة دمشق في ظلّ صمتٍ مُطبق من السّلطة الحاكمة التي تتعامل مع هذا المتغيّر التاريخي الجذري على قاعدة ” لا أرى لا أسمع ولا أتكلّم”
إن ما يحدث اليوم في الشّام هو ليسَ صراعاً على السُّلطةِ أو الحُكم, بل صراعٌ على هويّةِ الأمة ومستقبلِها, لذلك فإنّ الخلاص لا يكونُ باستبدالِ الأشخاص بل بالعمل على إعادة بعثِ الرّوح القوميّةِ الإجتماعيّةِ التي تُوحِّدُ الشّعب على قاعدة المصلحة العُليا للأمّة.
هذه حال كلّ الكيانات السوريّة التي تواجه اليوم وُجوهاً مُختلفة لتِنّينٍ واحد, وأذرُعَ مُختلفة لعَدُوٍّ واحد بمشروعٍ واحد
فالردَّ على هذهِ المشاريعِ لا يكونُ بالإكتفاء بالرّفضِ اللفظيِّ، بل بعملٍ منظَّم وخطّةٍ مُواجهة تقومُ على أسسٍ قوميّةٍ مستقلّةٍ تنبعُ من إرادةِ شعبِنا ومن اقتصادٍ منتجٍ ومن قرارٍ سياديٍّ واضحٍ يضع حداً للإنهيارً الحاصل في منظومةِ القيمِ نتيجةَ تفشّي الفرديّةِ وتراجعِ الانتماءِ.
وهنا، تُصبحُ التربيةُ القوميّةُ الاجتماعيّةُ السبيلَ الوحيدَ لإعادةِ اللُّحمةِ إلى المجتمعِ، وتنميةِ روحِ التضامنِ والمشاركةِ، وإحياءِ الحسِّ القوميِّ في الأجيالِ الجديدةِ.
إنَّ أخطرَ الحروبِ اليومَ هي حربُ المفاهيمِ، إذ تُستهدفُ عقولُ الشبابِ بوسائلِ الإعلامِ السطحيةِ والفراغِ الروحيِّ.
لذلك وجبَ العمل على إعادةِ بناءِ الوعيِ الثقافيِّ على أساسِ الإبداعِ والمسؤوليّةِ، وعلى إعلامٍ ملتزمٍ بالحقِّ والحرّيّةِ والكرامةِ، وعلى فنٍّ وأدبٍ يُعبّرانِ عن روحِ الأُمّةِ.
أيُّها السُّوريّونَ القوميّونَ الاجتماعيّونَ،
نسعى اليومَ إلى أن نرتقيَ بالحزبِ لمستوى الفكرةِ التي أطلقَها الزعيمُ: حزبٌ يعملُ بعقليةِ القرنِ الحادي والعشرينَ دونَ أن يتنازلَ عن جوهرِ عقيدتِهِ، يستفيدُ من أدواتِ العصرِ, من التكنولوجيا إلى الذكاءِ الاصطناعيِّ والإعلامِ الرقميِّ, ليحملَ رسالةَ النَّهضةِ إلى المجتمعِ بلغةٍ حيّةٍ واضحةٍ راقيةٍ.
في هذهِ الذكرى، نستحضرُ أنطونَ سعادهَ لا كرمزٍ من الماضي، بل كقائدٍ للمستقبلِ، نُجَدِّدُ العهدَ الذي عاهدَهُ وحملهُ الرفقاءُ الأوائلُ: أن نكونَ أُمّةً حرّةً قويّةً موحّدةً تؤمنُ بالحقِّ وتعملُ للخيرِ وتسعى للجمالِ.
فلنكن أبناءَ الحياةِ، ولنحوّلِ الذكرى إلى فعلٍ، والعقيدةَ إلى نهضةٍ، ولتبقَ رايةُ الحزبِ السُّوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ عاليةً خفّاقةً في سماءِ الأُمّةِ السُّوريّةِ التي لا تموتُ.
الحزب السوري القومي الاجتماعي،عمدةُ الإذاعةِ
المركزُ في 16/11/2025
