هناك خيار ثالث فخامة الرئيس
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
يحرص رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون على التمسك بخط ثابت لمواقفه الوطنية التي لا تقبل أي تفريط بالسيادة، او تنازل عن الحقوق، وفي كثير من الحالات يقرأ البعض في مواقف قائد الجديد العماد رودولف هيكل كلاما عن ما يدور بين سطور الرئيس، مثل دعوته لتعليق عملية حصر السلاح جنوب الليطاني ردا على توسيع الاعتداءات الاسرائيلية وربط العودة بوقف الاعتداءات نهائيا، وفقا لما يفترض أنها موجبات مسلم بها في إتفاق وقف إطلاق النار، ولا ينفك رئيس الجمهورية يؤكد ان لبنان نفذ ما عليه من موجبات الإتفاق الذي لم تنفذ اسرائيل من موجباتها فيه شيئا، ولم يفعل الأميركي شيئا بهدف إلزامها بفعل ذلك باعتباره عراب الاتفاق وضامن تنفيذ اسرائيل لموبجاتها فيه.
يتحدث الرئيس عن خيار التفاوض فيقول، انه خيار وطني جامع وانه “ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض، ففي السياسة هناك ثلاث أدوات للعمل وهي الدبلوماسية والاقتصادية والحربية” وأنه “عندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أي نتيجة، ما العمل؟ فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض، والتفاوض لا يكون مع صديق أو حليف بل مع عدو”، وبعد قوله مثل هذا الكلام في اجتماع الحكومة كما نقله وزير الإعلام ، بأن الرئيس “شدد على أن خيار التفاوض لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لقي تأييدا وطنيا ودوليا”، جاءت الاعتداءات الإسرائيلية مساء على الجنوب فعلق قائلا، “كلما عبّر لبنان عن انفتاحه على نهج التفاوض السلمي لحل القضايا العالقة مع إسرائيل، كلما أمعنت في عدوانها على السيادة اللبنانية وتباهت باستهانتها بقرار مجلس الأمن رقم 1701 وتمادت في خرقها لالتزاماتها بمقتضى تفاهم وقف الأعمال العدائية”.وختم قائلا: “مرّ قرابة العام منذ دخل وقف إطلاق النار حيّز النفاذ، وخلال تلك الفترة، لم تدّخر إسرائيل جهدا لإظهار رفضها لأي تسوية تفاوضية بين البلدين… وصلت رسالتكم”.
حتى لقائه بمجلس نقابة محرري الصحف اللبنانية، واعلانه “ان لبنان لم يتسلم بعد أي رد ​ إسرائيلي على خيار التفاوض الذي كان قد طرحه لتحرير الأرض”، مشيراً الى ان” منطق القوة لم يعد ينفع، وعلينا ان نذهب الى قوة المنطق”. وقال: “إذا لم نكن قادرين على الذهاب الى حرب، والحرب قادتنا الى الويلات، وهناك موجة من التسويات في المنطقة، ماذا نفعل؟” كان الرئيس يشترط للتفاوض وقف الاعتداءات الاسرائيلية وأحيانا يضيف طلب تنفيذ كل الالتزامات الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار من انسحاب وإطلاق للأسرى، كما كان يشترط للتفاوض على طريقة التفاوض لترسيم الحدود البحرية، أي تفاوض غير مباشر، وليس واضحا ما اذا الكلام الجديد للرئيس الذي ينتظر الجواب الاسرائيلي يمسك بهذه الشروط ام يعدلها لصالح جعل التفاوض مشروطا بإعلان استعداد اسرائيل لتنفيذ هذه الشروط من خلال التفاوض، وربما التفاوض المباشر!
عندما يقول الرئيس إن التفاوض موضوع إجماع وطني فهو يقول الحقيقة، طالما الحديث عن تفاوض عسكري وتقني وغير مباشر، وقد نصت الفقرة ال13 من اتفاق وقف إطلاق النار بوضوح على “طلب كل من إسرائيل ولبنان من الولايات المتحدة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تسهيل المفاوضات غير المباشرة بينهما بهدف حل النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 1701″، وهذا يعني أن اتفاق وقف إطلاق النار حدد زمن التفاوض بعد الانسحاب الإسرائيلي الى جنوب الخط الأزرق وعند الوصول إلى مرحلة الانسحاب الى خط الحدود الدولية لبنان، حيث هناك توجد مناطق متنازع عليها، كما أن الاتفاق يحدد إطار التفاوض ويقول انه تفاوض غير مباشر، أما التفاوض السياسي والمباشر فإن الرئيس يعلم جيدا أنه ليس موضع إجماع وطني بالتأكيد.
المشكلة التي يواجهها طرح الرئيس التفاوضي هي تعبير عن حقيقة أن القضية العالقة ليست عند اللبنانيين، لأنه وفقا لكلام الرئيس فإن لبنان دولة ومقاومة نفذ موجباته وفقا للإتفاق بينما إسرائيل لم تفعل، وأميركا التي رعت وضمنت لم تفعل شيئا لجعل اسرائيل تفعل ما عليها، وهو يطلب أن يحدث ذلك ليذهب الى التفاوض، وإذا كان الرئيس ينتظر جوابا حول إمكانية حدوث ما هو مطلوب من إسرائيل خلال التفاوض، فإن المشهد السوري كفيل بالإجابة، والاعتداءات مستمرة والتوغل مستمر خلال المفاوضات المستمرة منذ شهور، وهو تفاوض سياسي ومباشر، ولا ماذا نمسي لقاءات وزير الخارجية السورية اسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال رون ديرمر، إن لم يكن تفاوضا من باريس الى بروكسل وباكو؟
الحجة التي يسوقها الرئيس للانتقال من مرحلة إلى مرحلة في مقاربة ملف التفاوض هي القول ماذا نستطيع أن نفعل، وفقا لمعادلة، “منطق القوة لم يعد ينفع، وعلينا ان نذهب الى قوة المنطق”. وقال: “إذا لم نكن قادرين على الذهاب الى حرب، والحرب قادتنا الى الويلات، وهناك موجة من التسويات في المنطقة، ماذا نفعل؟”، و بمعزل عن الاختلاف في تقييم المواجهة مع الاحتلال التي منعت الاحتلال من السيطرة على الأراضي اللبنانية والتوغل حتى الليطاني كما كان الهدف الذي يعرفه الرئيس جيدا كعسكري يقرأ معنى حشد خمس فرق من جيش الاحتلال وتعريضها لنيران صواريخ المقاومة مدة شهرين، إذا لم يكن بهدف احتلال مساحات من الأرض تستدعي هذا العدد من القوات البرية؟
لكن لو سلمنا جدلا بالنص ان القوة فشلت، فإن السؤال الموازي هو هل نجحت المفاوضات، واتفاق وقف إطلاق النار ثمرة مفاوضات، ولم ينجح في الزام اسرائيل بالانسحاب ووقف الاعتداءات، وأميركا الي يتحدث عنها الرئيس هي اميركا نفسها التي رعت الاتفاق، وفشل التفاوض ليس حكرا على لبنان وها هي سورية، مثال أكثر وضوحا حيث مستوى اتفاوض أعلى وحيث لا مشكلة اسمها المقاومة ولا سلاح المقاومة، و الحكم الجديد في سورية يحظى بدعم دولي وإقليمي أكبر بكثير من الدولة اللبنانية، والمعلوم أن النجاح في التفاوض مرهون بتقديم تنازلات تمس السيادة سواء بالنسبة للبنان او بالنسبة الى سورية، والكلام كثير وأكثر من واضح، فإن كنا متمسكين بسيادتنا ومطالبنا الوطنية المحقة والمعترف بها، فماذا نفعل؟
الجواب يقدمه لنا تاريخ دول مرت بمراحل لا تتيح لها خوض حرب أو مقاومة لاستعادة حقوقها، ولا تعرض عليها المفاوضات الا الذل والهوان والتخلي عن أرض او سيادة على الأجواء أو حقوق وطنية، فكان خيارها هو الصمود والثبات والسعي إلى أعلى درجات التماسك والوحدة في الداخل على خيارات التمسك بالحقوق، وتحمل التضحيات في سبيل الدفاع عنها، وخوض المعركة الدبلوماسية والإعلامية تحت سقفها، بانتظار توقيت مناسب يتيح لخيار الحرب أو خيار المقاومة او خيار التفاوض أن يعيد هذه حقوق ويحميها.