الاستخبارات الأمريكية والموساد في بوليفيا: عودة الهيمنة تحت غطاء دبلوماسي
شهدت بوليفيا مؤخراً وصول أكثر من مئة موظف أمريكي للمشاركة في مراسم تنصيب الحكومة الجديدة، وقد قرر عدد كبير منهم البقاء في البلاد.
وفي خطوة أثارت الجدل، منحت وزارة الخارجية البوليفية، التي وُصفت بأنها ما تزال رهينة لتقاليدها “الاستعمارية”، تأشيرات دخول خاصة لأعضاء الوفد “الإسرائيلي” المرافق لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
وبحسب الكاتب والمفكر البوليفي رافاييل باوتيستا، فإن هذا التحرك يعيد إلى الأذهان الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) خلال انقلاب عام 2019، حين أدخلت – عبر الحدود الأرجنتينية من مدينة سالتا – أموالاً ومعدات عسكرية ومرتزقة تحت غطاء “الزيارة الرسمية” التي قامت بها إيفانكا ترامب آنذاك.
إلى جانب ذلك، واصلت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) وجهاز الاستخبارات “الإسرائيلي” (الموساد) نشاطهما في البلاد، مكرسين وجودا دائما منذ ذلك الحين، عبر ما يسميه باوتيستا “عمليات نفسية وتغلغل أيديولوجي” داخل المنظمات الاجتماعية وحركة “ماس” والمجتمع المدني.
ويرى باوتيستا أن ما يسمى بـ مثلث الليثيوم — الذي يضم بوليفيا والأرجنتين وتشيلي — فقد قيمته كرمز للسيادة الوطنية، بعد أن تحولت ثروات البلاد الطبيعية إلى ثمن سياسي “لدعم” واشنطن للحكومة الحالية. هذا “الدعم”، كما يقول، سيكون كلفة باهظة تدفعها الأجيال القادمة، “إن بقيت بوليفيا دولة موحدة أصلا”، في ظل ما يصفه بـ “الرضوخ الأعمى للنخبة الكامبية التي فرضت أجندتها الاقتصادية”.
ويضيف أن سياسة الكراهية والعنصرية التي تغذيها بعض قطاعات المجتمع المدني في المدن أعادت بوليفيا إلى حالة التمزق الداخلي، حيث يرفض جزء من الشعب الاعتراف بجذوره الأرضية والثقافية والهوياتية. ويشير إلى أن الحديث المتكرر عن “ارتباطات بالمخدرات” لبعض القادة، وسردية “بلد مفلس”، يشكلان اليوم أداة ابتزاز مثالية بيد واشنطن لإنهاء تجربة الدولة المتعددة القوميات التي وُلدت مع الدستور الجديد عام 2009.
كما يحمّل باوتيستا المسؤولية أيضا لحركة “ماس” (Movimiento al Socialismo) وللتيار “الإيفيزي” الموالي للرئيس السابق إيفو موراليس، اللذين — رغم شعاراتهما الثورية — وفّرا للمعارضة اليمينية الأغلبية البرلمانية اللازمة لقمع المطالب الاجتماعية، تحت ذريعة أن “الذنب يقع على اليسار والشعوب الأصلية والشعبويين”.
ويخلص الكاتب إلى أن اليسار البوليفي، كما في تجارب سابقة، يكرر أخطاءه التاريخية ببيع العملية الشعبية باسم الواقعية السياسية، وتحويل الفكرة الثورية إلى مجرد “فولكلور سياسي”، مشددا على أن النتيجة هي تقويض السلطة الشعبية وتشويه حلم “الذين لا يملكون شيئا” في التحرر والمساواة.
رافاييل باوتيستا س.
مفكر بوليفي، ومؤلف كتاب «التفكير في بوليفيا: من الدولة الاستعمارية إلى الدولة المتعددة القوميات» (الجزءان الأول والثاني، 2009–2012).
