خناجر في خاصرة الأمة

أسماء الجرادي

في سنوات قليلة، تكشّفت أمام العالم حقيقة العدوان على اليمن، وظهرت خيوط المؤامرة التي حيكت تحت شعارات زائفة مثل “الدفاع عن الدين” و”نصرة الشعوب”. لكن الأحداث الأخيرة في غزة كشفت الوجه الحقيقي لأولئك الذين شاركوا في حرب اليمن، إذ تبين أنهم أنفسهم يقفون اليوم إلى جانب الصهاينة في إبادة الشعب الفلسطيني. فكيف يدّعون نصرة الإسلام في بلد الإيمان والحكمة، بينما يساندون الاحتلال في فلسطين ضد شعبها العربي المسلم؟

واليوم، في السودان، تتصدر قوات “الدعم السريع” المشهد الدموي، بعد أن تحولت من أداة خارجية في حرب اليمن إلى قوة داخلية ترتكب جرائم حرب بحق أبناء وطنها.
سابقاً انضمت السودان إلى التحالف العربي بقيادة السعودية تحت شعار “عاصفة الحزم”، وأرسلت آلاف الجنود من قوات الدعم السريع إلى اليمن. تم تسليحهم وتدريبهم، ودُفع بهم إلى الخطوط الأمامية في جبهات البقع، ومأرب، والمخا، والحديدة. ورغم توثيق العديد من الجرائم التي ارتكبوها، ظل التستر والتبرير حاضرَين من قبل داعميهم.

واليوم، تعود هذه القوات، الممولة والمسلحة من أمريكا والتحالف، لترتكب جرائم إبادة جماعية في مدينة الفاشر بالسودان. آلاف المدنيين قُتلوا، بينهم نساء وأطفال، ونُفذت إعدامات ميدانية وخُطف الأطباء، وسط صمت دولي مخزٍ. أما التنديدات الخجولة، فتأتي من جهات كانت بالأمس القريب تدعم هذه الميليشيات، في مشهد يفضح حجم النفاق العالمي.

لقد استُخدمت هذه المليشيات في اليمن لمواجهة الشعب اليمني، ولولا فضل الله وبسالة الجيش اليمني ولجانه الشعبية، لتم توزيعهم على كل مناطق اليمن لاستباحة الأرض والعِرض. وما يجري اليوم في السودان ليس إلا امتدادًا لمؤامرة أمريكية صهيونية، تنفذها أدوات خليجية، هدفها تدمير السودان ونهب ثرواته. والدعم الذي تتلقاه مليشيا الدعم السريع هو مكافأة لها على ما فعلته في اليمن، وتمهيد لاستخدامها في ساحات أخرى لم يُعلن عنها بعد.

أما الحكومة السودانية، التي جنّدت هؤلاء وأرسلتهم إلى اليمن، فهي اليوم تتذوق مرارة ما صنعت يداها. لقد كانت تعلم أنهم مليشيات إجرامية، ولم ترسلهم لقوتهم أو خبراتهم، بل لدمويتهم وشدة بطشهم وإجرامهم، وهو ما اتفقت عليه مع دول التحالف السعودي الإماراتي لإستباحة اليمنين . وها هو العالم اليوم يرى بوضوح من هي هذه الجماعات التي دخلت اليمن سابقًا تحت راية التحالف.

نحن لا نبرر الجرائم، ولا نرضى بها، سواء وقعت في اليمن أو السودان أو أي بلد عربي أو مسلم. لكن ما يحدث اليوم هو مؤامرة واضحة، تُظهر أن من استخدم المجرمين المتوحشين في ظلم الآخرين هو شريكٌ رئيسي في الجريمة حين تعود عليه. وإنها من سنن الله وعدالته في خلقه، أن يعود الظلم على من صنعه. ولهذا، فإن النظام السوداني شريك أساسي في الجرائم التي تُرتكب بحق شعبه، وكذلك التحالف العربي وكل من دعمه وشاركه في حرب اليمن.
فما دمنا نتآمر مع الظالمين على المظلومين، فسيأتي يوم يتآمر فيه الظالمون أنفسهم علينا. وهذا ما نراه اليوم في عالمٍ تقوده أمريكا، رأس الإرهاب العالمي.

لن ننسى ما حدث في اليمن، ولن نغفل عما يحدث اليوم في السودان. العالم الذي يندد اليوم، هو ذاته من شارك في الجرائم بالأمس. وللأسف، الشعوب وحدها هي من تدفع الثمن، ولهذا فإنني أوجه هنا رسالة إلى الشعب السوداني بالكامل: لا تركنوا لأحد أن يحرركم، ولا تنتظروا من الخارج أن ينقذكم. حرّروا أنفسكم، وطهّروا وطنكم من المرتزقة الذين باعوه لهؤلاء الوحوش البشرية أنتم أصحاب الأرض، وأنتم من يملك القرار. فلا تجعلوا الدم أن يُهدر دون ثمن، ولا للظلم أن يُفرض دون مقاومة، والكرامة لا تُستعاد إلا بالوعي والصمود والمواجهة. فلتكن هذه الأوجاع التي تعيشونها اليوم بداية النهاية لهؤلاء المرتزقة، ولتكن إرادتكم أقوى من سلاحهم، فأنتم فقط من سيكتب نهاية هذا الظلم والطغيان.