شهداؤنا: أنتم البداية ونحن امتداد الحكاية.
أسماء الجرادي
أيها الشهداء الأبرار…
ونحن نعيش الذكرى السنوية لعطائكم، لا نملك إلا أن نرفع رؤوسنا شموخًا واعتزازًا بكم، وننحني إجلالًا لتضحياتكم. فدماؤكم لم تذهب سُدى، بل كانت السد المنيع، والدرع الحصين، الذي حمى اليمن من الطغاة ومؤامرات المجرمين.
لقد عشنا بكرامة بفضل تلك الدماء الطاهرة، ورأينا بأعيننا الفرق بين من أحب الحياة فاستسلم، ومن أحب الله فقاوم وجاهد وضحى واستشهد. تتجلى أمامنا صور الكرامة لمن ناضل وجاهد، في مقابل مشاهد الذل لمن ترك أوامر الله في الجهاد، وراح يدفع الأموال الطائلة للشياطين ليحمي نفسه من القتال، فعاش ذليلًا خانعًا، ولم يسلم من أذى العدو.
لقد تعلمنا منكم أن الخنوع لا يجلب إلا الهوان، وأن من تجاهل أوامر الله في الحذر من الظالمين وقتالهم، نال نهاية مخزية على أيديهم.
أيها الشهداء…
دماؤكم كانت السور الذي أفشل خطط المعتدين، وأربك مؤامراتهم. ولقد أثمرت عزًا ونصرًا، ونحن اليوم نعيش بقوة وإرادة عظيمة،متمسكين بالنهج الذي سلكتموه. وها نحن في مواجهة مباشرة مع مجرمي العالم وشياطينه، وها هي يدنا تمتد إلى فلسطين لتحمي أهلها وتصد عنهم ظلم الصهاينة المحتلين. كما كسرت دماؤكم أيادي العدوان التي امتدت لتبطش باليمن، ونحن نستذكر جهادكم وبطولاتكم في كل لحظة، لا في ذكرى سنوية فقط. أنتم الملهمون لنا، ونحن بقاياكم على هذه الأرض، نحمل شعلة النضال، ونكمل المسير بقوة الله وإرادة لا تلين.
ونحن نعيش هذه الذكرى، لا ننسى أنكم جزء من ملحمة أكبر، ملحمة أمة لا تنكسر. لقد امتزجت دماؤكم بدماء شهداء فلسطين الذين واجهوا أعتى احتلال عرفه التاريخ، وبدماء شهداء لبنان الذين مرغوا أنف العدو في التراب، وبدماء شهداء العراق الذين تصدوا لأعتى موجات الإرهاب الصهيوني، وبدماء شهداء إيران الذين قدّموا أرواحهم في سبيل نصرة قضية فلسطين والمستضعفين. جبهة واحدة، وإن اختلفت الجغرافيا، فالقضية واحدة، والعدو واحد، والهدف واحد: أن تبقى هذه الأمة حرة، عزيزة، منيعة، لا تركع إلا لله.
نعيش هذه الذكرى ونحن نفتقد الكثير منكم، من أوجعنا رحيلهم، رغم يقيننا بأنكم فزتم ونلتم أعظم الجزاء. لقد ارتحتم بعد عناء طويل، وأمل بالشهادة لم ينقطع حتى نلتموها. نحمل وجع الفراق، ونغبطكم لعظيم ما نلتم، ونسأل الله أن يأتي بالفتح والنصر المبين، أو يلحقنا بكم شهداء فائزين.
لقد قدمت اليمن هذا العام خيرة أبنائها شهداء من حكومة التغيير والبناء، أولئك الذين صمدوا وواجهوا العدو بأعمالهم الدائمة وجهودهم المتواصلة. فكلما امتدت يد العدوان لتدمير مؤسسة تنموية، أعادوا بناءها من جديد، وأعادوها لخدمة الشعب، متحدّين الحصار والدمار، ومؤكدين أن البناء هو وجه آخر للمقاومة.وإلى زملائنا الصحفيين الشهداء في صحيفتي اليمن، و 26 سبتمبر، الذين دوّنوا بحروفهم جرائم العدوان، وسجّلوا ملاحم البطولة في ميادين المواجهة، فكانت كلماتهم رصاصات في صدر العدو، وصوتًا صداحًا في وجه التزييف والتضليل. لقد حملوا أمانة الكلمة، فكانت أقلامهم سلاحًا لا يقل أثرًا عن البندقية.
وإلى القائد الكبير محمد الغماري، الذي نال شرف الشهادة إلى الأكاديمية التي أصبحت كابوسًا للعدو، وإلى المواطنين الذين استشهدوا وهم ممسكون بمبدأ الإيمان ونصرة القضية…
أيها الشهداء…
أنتم الحكاية التي لا تنتهي، والراية التي لا تسقط، والنبض الذي لا يسكت. رحمكم الله، وجعلنا من السائرين على دربكم، حتى نلقاكم في جنات الخلد بإذن الله.
