فنان يرسم على “كراتين المساعدات”
في واحدة من النماذج التي تعكس قدرة الفنان على النظر للأشياء بصورة غير مألوفة تأتي تجربة الفنان محمد مهنى مع الحرب، فمع شح المواد الفنية وندرتها ونفادها مع الوقت استطاع أن يخلق مشروعاً فنياً يعكس فلسفة خاصة بالرسم على “كراتين المساعدات” التي تنتشر في القطاع حاملة المواد الغذائية، لتتحول بعد ذلك إلى مهملات لا تلفت انتباه أحد ولا يفكر معظم الناس في أنها يمكن أن تحمل رسالة فنية من وحي أجواء الحرب.
يقول الفنان مهنى “قطاع غزة دائماً بقعة جغرافية صغيرة مليئة بالأحداث والمستجدات، وما قبل الحرب كان لدي مشاريعي الفنية الخاصة كفنان متفرغ في مرسمي الخاص، وكنت أعمل متخصصاً في مجال التفريغ النفسي والانفعالي من خلال الفنون لدى الأطفال. مع الحرب انقلب كل شيء رأساً على عقب من هول الأحداث والشعور بالخوف والقلق المفرط. ظللت لنحو ثلاثة أشهر تقريباً لا أستطيع أن أمسك قلماً أو فرشاة لأرسم من هول الصدمة، ولكن مع مرور الوقت استجمعت قواي وكأن شيئاً ما في داخلي يقول لي أنت قوي وأنت فنان يجب عليك أن تستجمع نفسك، وأن توصل رسالة لكل العالم بأن لك شيئاً في هذا العالم فقم وارسم”. ويضيف “وثقت كثيراً من المشاهد المتعلقة بالحرب كحالات فقد الآباء لأبنائهم. حالات النزوح والحصول على الماء والطوابير والمجاعة في شمال القطاع وكثير كثير. ورسالتي لكل العالم بأن غزة تباد عن بكرة أبيها يجب عليكم إيقاف الحرب بأي طريقة. كان في القطاع الأدباء والمثقفون والفنانون الذين يجب عليهم أن يوصلوا رسالتهم إلى كل العالم”.
 
مهنى اعتمد مشروعا للرسم على كراتين المساعدات وجعل الكتابات عليها جزءاً من اللوحة (اندبندنت عربية)


 
توثيق مشاهد الحرب
عن فكرة الرسم على “كراتين المساعدات” والهدف منها يقول مهنى “أثناء جلوسي في المرسم المطل على الشارع بجوار مدارس الأونروا التي تعج بالنازحين كنت أشاهد وجوه الناس المتعبة التي أنهكتها الحرب، والأطفال وهم يجرون ويحملون الماء، وطوابير الحصول على الغذاء والماء، وكثيراً من المشاهد التي تحولت إلى ذاكرة بصرية كان لا بد من توثيقها، وعندما بدأت في ذلك كان لدي بعض الأوراق البيضاء ولكنها نفدت مع الوقت، بخاصة مع تردد الأطفال النازحين في المحيط على مرسمي وكنت أوفر لهم كل ما يحتاجون إليه لكي يعبروا عما يجول بخاطرهم فنفدت لدي معظم الأدوات الفنية والأوراق مع الوقت”.
ويختم حديثه بقوله “جلست أفكر كيف لي أن أوثق المشاهد البصرية التي تخزنت بالذاكرة. في مرسمي يوجد كراتين مساعدات فارغة فخطر على بالي أن أرسم عليها وأن أوثق مشاهد الحرب على كراتين المساعدات التي لم نعرفها إلا في الحرب، وما لفت انتباهي أيضاً بأن كراتين المساعدات مكتوب عليها ليست للبيع أو التبديل، وهذا نص جعلته من ضمن اللوحة كعنصر من عناصرها لما لها من بعد فني وفلسفة فنية وبدأت أوثق كل المشاهد التي شاهدتها سواء كان بالعين المجردة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال قصص وتفاصيل سمعتها، وأيضاً هناك كثير من المشاهد يصعب على أي فنان وصفها لأنها أكبر بكثير من أن توصف أو ترسم”.

اندبندنت عربية