من حق غزة وعموم فلسطين الابتهاج بصدور قرار بوقف اطلاق النار عن اجتماع “شرم الشيخ “الذي شاركت فيه وفود من مصر وقطر وتركيا والمقاومة الفلسطينية وممثلو الكيان الصهيوني لبحث مبادرة وقف اطلاق النار التي اطلقها قبل أيام من واشنطن الرئيس الاميركي دونالد ترامب ، بعد اجتماع تمهيدي مع ممثلين عن حكومات عربية وإسلامية واجتماعه لثلاث ساعات مع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو.
ورغم ان الترقب لوقف فعلي لاطلاق النار ما زال هو سيد الموقف لدى كتابة هذهِ السطور ، إلا أن تظاهرات الابتهاج في قطاع غزة تمت وسط اطلاق نار من المدفعية الإسرائيلية من أماكن متعددة في القطاع الذي خاض على مدى عامين واحدة من أكثر الحروب عنفاً ووحشية.
غير أن شعوراً عميقاً ساد لدى الفلسطينيين بأن فرص تطبيق هذا الاتفاق ، لا سيّما بمرحلته الأولى، هي أفضل من الفرص السابقة ، حيث كانت تل أبيب ومعها واشنطن، تنقلب عليها عشية الوصول اليها.
ويبقى السؤال الكبير … هل ينجح اتفاق” شرم الشيخ” في وقف اطلاق النار هذه المرة فيما لم تنجح محاولات الاتفاق السابقة، وما الأسباب التي تجعل المتفائلين بوقف النار هذه المرة أكثر تفاؤلاً من مرات سابقة، بل هل يستطيع نتنياهو نفسه ان ينتزع قراراً من الكابنيت المصغر عصر اليوم الخميس رغم ان حليفيه بن غفير وسموتريتش لم يخفيا اعتراضهما على أي اتفاق مع حركة (حماس) في اكثر من مناسبة.
لا شك ان من انتظر عامين كاملين منذ عملية ” طوفان الأقصى” يستطيع ان ينتظر عدة ساعات اليوم الخميس، بعد ان يجتمع الكابينت الإسرائيلي، لكن الانطباع السائد هو ان الاتفاق، لا سيّما في مرحلته الأولى سيتم تنفيذه لعدة أسباب ، أولها ارتباط تنفيذه بسمعة الرئيس الأمريكي لاسيما معطموحه لنيل جائزة نوبل للسلام من جهة، والارهاق العسكري والسياسي والشعبي والاقتصادي الواضح الذي بدأت ملامحه تظهر على الكيان الصهيوني نفسه الذي تحمل الاخبار كل يوم عن تصاعد حجم الاعتراض على استمرار هذه الحرب ، لا سيّما داخل الجيش الإسرائيلي نفسه، ناهيك عما فعله هذا التحرك الشعبي العالمي الضاغط والمتصاعد ضد العدوان الصهيوني ، وكان أخر مظاهره “اسطول الصمود الإنساني لكسر الحصار” ، و”اسطول الحرية 2″ الذي يخوض الان معارك مع الجيش الإسرائيلي للوصول الى ساحل غزة.
وعلى الرغم من وضوح بنود اتفاق المرحلة الأولى من وقف النار وعقد صفقة تبادل للأسرى والرهائن، ورفع الحصار، إلاّ أن القضايا الأكثر أهمية ؛ولا سيما المتعلقة بمستقبل غزة، لم يتم الإشارة اليها في هذا الاتفاق وكأن المشرف الأميركي على الاتفاق يريد اعتماد سياسة “الخطوة خطوة” التي اعتمدها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بعد حرب تشرين 1973 والتي أدت الى معاهدة “كمب ديفيد” ثم “أوسلو”، ثم ” وادي عربة”، ثم الى “الاتفاقات الابراهيمية” مؤخراً.
من هنا فالتوقعات حول تطبيق المرحلة الأولى للاتفاق، او عن اتفاقات مراحل أخرى امور لها شروط معقدة ومتعددة لعل أبرزها مدى قدرة الفلسطينيين على تجاوز الانقسام الذي يواجهونه منذ عام 2006، وبنجاح النظام الرسمي العربي والإسلامي في مراجعة سياساته المتخاذلة حتى الان, والوقوف بوضوح الى جانب الشعب الفلسطيني في معركة المصير التي يخوضها، وبنجاح القوى الشعبية في المنطقة والعالم في تطوير حركة التضامن الهائلة التي برزت في السنتين الفائتتين الى حركة ضاغطة ومستمرة لتحقيق المطالب الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، ناهيك عن استمرار المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وصولاً الى ايران بالحفاظ على سلاحها وقوتها لمواجهة الكيان ، بالإضافة الى تطور حاسم في موقف الدول الصديقة الكبرى ك روسيا والصين والدول الإسلامية ك تركيا والباكستان واندونيسيا بما يمارس ضغطاً متعدد الأوجه على الكيان الصهيوني الحريص على ان لا يقطع “شعرة معاوية” مع هذه الدول.
واذا كان اتفاق” شرم الشيخ ” ينص على تحقيق اهداف المرحلة الأولى من وقف الحرب، فان قدرة صانعيه على استكمال هذا الاتفاق بمراحله القادمة وهو امر مرهون بتوفر الإرادة والقوة، فلسطينياً وعربياً واسلامياً وعالمياً، على ممارسة الضغط اللازم على تل أبيب وداعميها ، في وقت يعتقد كثيرون ان الكيان الصهيوني لم يعد يمتلك القدرة على المواجهة او المناورة كما كان في عقود سابقة.
إذن المسألة لا ترتبط بالتوقعات ، بل تعتمد اساساً على استحضار القيادات الفلسطينية وحلفائها القدرة على بناء الجاهزية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن العسكرية لابقاء الضغط على الكيان الصهيوني مستمراً ولتحقيق شروط انجاز سلام عادل وشامل في المنطقة يطمح الى تحرير كل فلسطين وقيام دولة ديمقراطية واحدة على كامل ارضها .

معن بشور_٩/١٠/٢٠٢٥